بخلاف رمضان الفائت الذي دخل فيه المغاربة “سوق جواهم”، فإن الشهر الكريم الجاري يشهد بين الفينة والأخرى “خرجات” عدد من المغاربة (بغض النظر عن فئاتهم العمرية وحقيقة مطالبهم) للمطالبة بالترخيص لإقامة صلاة التراويح. نعم التراويح، وليس العشاء ولا الفجر حتى!!

والمغاربة مُحقون في طلب أداء صلاة التراويح، بينما لا يأبهون لصلاة العشاء الفريضة التي تسبق التراويح، ولا صلاة الفجر التي ذكرت فيها الأحاديث النبوية أفضالا عظيمة.

التراويح شعيرة دينية محبوبة لدى المغاربة .. هي أولى من أي صلاة أخرى في رمضان أو غير رمضان.. تُرَوح عن الصائم في ليالي الشهر الفضيل المقمرة، و”تنفس” عن المصلي القائم لتوه من مائدة إفطار مليئة بما لذ وطاب من الأكل (طبعا لمن لديه القدرة المالية، وإلا فإن موائد الفقراء لا تكاد تتجاوز الأسودين: التمر والماء، مع كأس شاي وخبز و”شباكية” إن وُجدت).

كثير من المغاربة لديهم ميزان عجيب في ما يسميه علماء الدين “فقه الأولويات”، أو “فقه الموازنات”؛ فالتراويح صلاة ترقى لديهم إلى الفريضة وأكثر من الفريضة، حتى إن أحدهم يربط الصيام والإيمان والتقوى في رمضان بأداء صلاة التراويح، ومن لم يؤدها فصيامه مخروم.

اتركوا للمغاربة صلاة التراويح .. لا تلمسوا التراويح .. إما التراويح أو لا شيء .. ولا ضير في إغلاق المساجد في صلاة الفجر، فلا أحد من المغاربة رفع شعار “الشعب يريد صلاة الفجر”، لأن التراويح أعظم وأجل وأكبر.

التراويح تأتي مرة في السنة الواحدة، بينما العشاء أو الفجر صلوات قائمة كل ليلة وفي كل شهر طيلة السنة.. هذا “فقه واقع” لم يسبق المغاربة إليه أحد من العالمين. المغاربة رائدون في كل شيء.

ومثل تفضيل سُنة التراويح على باقي الصلوات المفروضة، تجد عددا من المغاربة الأثرياء يؤدون شعيرة الحج كل سنة، والعمرة أكثر من مرة في العام، ولكنك لن تجدهم ينفقون المال لدعم الفقراء أو لإيواء المشردين، أو لكفالة الأرامل واليتامى، أو لسداد ديون المديونين، أو تفريج كُرب المهمومين والمحتاجين.

لقب “سيد الحاج” لا يأتي من الصدقات أو مساعدة الفقراء أو دعم الشباب الراغبين في التحصين والزواج، لهذا فالحج أولى وأهم وأجل، ولينتظر المساكين والضعفاء الفرج من السماء.

المغربي أيضا تجده لم يركع لله ركعة واحدة، ولم يُصل في حياته صلاة كاملة، وهذا شأنه الخاص، لكنك تجده “يتقاتل” ليكون من أول الصائمين، ويحرص على أن لا يبلع ريقا، ويسأل عن حكم الحقنة أو معجون الأسنان هل يفطر أم لا يفطر؛ فالصيام لديه أوكد وأسبق من الصلاة في ميزان الشعائر الدينية.

أما الذي يصلي ويواظب عليها فيعتقد أنه قد ضمن حياة الخلد في الجنة، فلا تجده يبر بوالديه، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس، ولا يرعى حقوقهم، بل قد يعتدي ويظلم ويفتك ويفتري على البلاد والعباد.. الصلاة أولى وأهم، “صل وافعل ما يحلو لك”.

هذا غيض من فيض فقط.. الأولويات عند المواطن المغربي في عباداته وفي حياته الاجتماعية لا يأتيها الباطل من يديها ولا من خلفها.

أولويات كلها “بالمقلوب” مثل هذه الورقة تماما.

hespress.com