لا ازدحام، بعد اليوم، في شوارع المملكة ولا في حافلاتها العمومية أو في أسواقها وحاراتها وأحيائها..
ملايين المغاربة يسيرون في الطرقات “بنظام وانتظام”.. تلك العبارة السحرية الشهيرة التي أعلن بها الملك الراحل الحسن الثاني انطلاقة مسيرة أبهرت العالم لتحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني.
كذلك المغاربة تحرروا مع انطلاقة رمضان الحالي من براثن “استعمار الزحام”، لينتظموا في حياتهم بدون عشوائية ولا ضجيج ولا عدوانية.
لم يأت قرار حكومي لينتظم ملايين المغاربة في “النظام”، ولم يخضعوا لعقوبات زجرية حتى يبتعدوا عن الازدحام في وسائل المواصلات، ولا أفزعهم السجن إذا لم يحترموا بعضهم البعض في الشوارع والفضاءات العمومية.
المغاربة قرروا عن “بكرة أبيهم” (لا فض فوك، أيها الشامخ مصطفى العلوي) الخروج من ربقة الفوضوية إلى رحاب النظام، ومن ضيق العشوائية السلبية إلى سعة التخطيط والإيجابية.
الأمر لم يحتج سوى إلى قليل من التفكر والتدبر، وأن يبدأ الواحد من المغاربة نهج النظام في حياته لتنتقل “العدوى” إلى جيرانه وزملائه، ويقرر الجميع الحياة في نظام بعيدا عن الزحام والضجيج وكثير من المشاهد المسيئة للعين والأذن، وكانت الانطلاقة في رمضان.
وهكذا، بات المواطن المغربي يصعد إلى الحافلة العمومية دون أن يخشى من تسلل يد إلى جيبه الخلفي، أو إلى هاتفه الخلوي.
ولم تعد تخاف المرأة من اندساس “شيء” من خلفها، ولا تحرش متحرش بها في “الطوبيس”، حتى إذا أمسكته بالجرم الفاحش، تعذر بالزحام، وطلب منها التنقل بسيارة إن لم تقبل بما حصل لها.
وأما في الشوارع.. الأمكنة والأرصفة رحبة وواسعة لا تضيق بالناس، حيث إن لكل مواطن مساحة متر تعد ملكا شخصيا له، لا يزاحمه فيها أحد.
وأما الذي حصل في الأسواق فهو “العجب العجاب”.. من يكن يتصور أنه في هذا الشهر الكريم انتفى الزحام واختفت العشوائية إلى الأبد، وأضحى المواطن يتسوق دون “ستريس” أو خوف من أن تخدش أذنيه كلمة نابية، ولا حتى أن يخترق مسامعه صراخ الباعة.. الجميع يعلمون في نظام وانتظام، التاجر يؤدي مهمته مبتسما، والزبون يختار سلعته منشرحا.
وبعيدا عن الحافلات والأسواق، تأدب المغاربة مع بعضهم البعض، وصارت الأحياء والعمارات السكنية مدعاة للراحة و”الاستجمام”.. يا سلام!!
لا شحناء ولا بغضاء ولا حقد ولا حسد بين الجارة وجارتها، ولا معارك دموية بين الرجل وجاره، ولا بين “شباب الدرب”.. هذا صار من “مخلفات الماضي”.. المغاربة أدركوا أن “الحيوانات” وحدها التي لا تزال تتعارك لفرض وجودها، وأن المعركة اليوم هي معركة العقل والنظام والأدب والأخلاق..
هل صدقتم كل هذا؟.. من يجد مشهدا مما ذكرته أعلاه فليرمني بحجر..