تطرق عزيز لعويسي، باحث في قضايا التربية والتكوين، إلى الظروف الاستثنائية التي تجرى فيها امتحانات البكالوريا لهذه السنة، مشيرا إلى الخيارات “غير المسبوقة” في تاريخ البكالوريا المغربية التي اتخذتها الوزارة الوصية على القطاع.

لذلك، أورد لعويسي، في مقالة بعث بها إلى هسبريس، أن “الامتحان الوطني الموحد-دورة 2020-تميز بالتعبئـة الجماعية متعددة المستويات، التي عكستها جملة من المبادرات المواطنة الصادرة عن عدد من الجهات، في إطار الإسهام الجماعي في إنجاح هذا الاستحقاق الوطني”.

وإليكم المقالة:

تنطلـق اختبارات الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا-دورة يوليوز 2020-في ظرفية خاصة واستثنائية مرتبطة بجائحة وباء كورونا المستجد “كوفيد-19″، بشكل يجعل منها دورة استثنائية بكل المقاييـــس، في ظل عام دراسي حمل “طابع الاستثناء”، ميزه تبني تجربة “التعليم عن بعد” لضمان الاستمرارية البيداغوجية، عقب التوقيف الاضطراري للدروس الحضورية منذ أواسط شهر مارس الماضي، بعد فرض حالة الطوارئ الصحية وما ارتبط بها من حجر صحي ومن إجراءات وقائية وتدابير احترازية ذات صلة بالتصدي للفيروس التاجي والحيلولة دون تفشي العدوى.

على مستوى المواعيد، تجري الدورة في شهر يوليوز بدل شهر يونيو كما جرت العادة منذ سنوات، وفق برمجة غير مألوفة اعتمد فيها على خيار “الأقطاب” في محاولة للتقليص من حدة الاكتظاظ، الذي قد يتعذر معه تحقيق الإجراءات الحاجزية من تباعد جسدي واحترام مسافة الأمان وتفادي التجمعات بين المترشحات والمترشحين. وفي هذا الصدد، ولأول مرة في تاريخ نظام البكالوريا المغربية، ستجرى امتحانات البكالوريا في مرحلتين:

– مرحلة أولى تهم قطب الآداب والعلوم الإنسانية بمسلكيها (مسلك الآداب ومسلك العلوم الإنسانية)، وشعبة التعليم الأصيل بمسلكيها (مسلك اللغة العربية ومسلك العلوم الشرعية)، يومي الجمعة والسبت 3 و4 يوليوز 2020.

– مرحلة ثانية تهم قطب العلوم: شعبة العلوم التجريبية بمسالكها (علوم الحياة والأرض والعلوم الفيزيائية والعلوم الزراعية) وكذا شعبة العلوم الرياضية بمسلكيها (العلوم الرياضية “أ” والعلوم الرياضية “ب”) وشعبة علوم الاقتصاد والتدبير بمسلكيها (العلوم الاقتصادية وعلوم التدبير المحاسباتي) وشعبة العلوم والتكنولوجيات بمسلكيها (العلوم والتكنولوجيات الكهربائية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية، وشعبة الفنون التطبيقية وجميع مسالك البكالوريا المهنية، التي ستجري امتحاناتها ابتداء من يوم الاثنين 6 وإلى غاية يوم الخميس 9 يوليوز 2020.

ولم تتوقف عجلة التغيير عند الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا، بل امتدت حتى إلى الامتحان الجهوي الموحد للبكالوريا، الذي سيجري بدوره في مرحلتين، مرحلة أولى تخص “المترشحين الأحرار” بالنسبة لجميع الشعب، التي أجريت يومي 1 و2 يوليوز الجاري، بينما المرحلة الثانية ستهم “المترشحين المتمدرسين”، ويرتقب إجراء الامتحانات المرتبطة بها في غضون الأسبوع الأول من شهر شتنبر القادم، وهذه البرمجة ستترتب عنها تغييرات على مستوى مواعيد الإعلان عن نتائج الدورة العادية (يوم 15 يوليوز) والدورة الاستدراكية (من 22 إلى 24 يوليوز 2020) ونتائج الدورة الاستدراكية (29 يوليوز).

وإذا كان العام الدراسي قد ميزه اعتماد تجربة “التعليم عن بعد”، فإن هذا النمط من التعليم “غير المألوف” في الأدبيات التربوية المغربية وفي واقع الممارسة التعليمية، قد أثار زوبعة من الجدل على مستوى النجاعة والفاعلية والقدرة على تحقيق العدالة والمساواة وتأمين الحق في التعلم، في ظل الفوارق السوسيو-مجالية.

وفي هذا الإطار، وحرصا على مبدأ “تكافؤ الفرص” بين جميع المتعلمات والمتعلمين، لم تجد الوزارة الوصية بدا من الإعلان في بلاغ لها (صدر يوم الثلاثاء 12 ماي 2020) أن مواضيع امتحان البكالوريا بالنسبة للسنتين الأولى والثانية ستشمل “حصريا الدروس التي تم إنجازها حضوريا، قبل تعليق الدراسة”، الأمر الذي فرض استعجال تنزيـل “أطر مرجعية مكيفة” تحدد خارطة طريق المضامين المبرمجة في الامتحانات وما يرتبط بها من كفايات، مما شكل “زحزحة” خفيفة للأطر المرجعية التي ظلت راكدة وصامدة منذ سنوات.

ورغم أن الزحزحة غير مؤثرة ولم تتجاوز حدود حذف الدروس التي تمت في إطار “التعليم عن بعد”، فهي مناسبة للمطالبة بالتحرك في اتجاه نفض الغبار عن الأطر المرجعية التي شاخت بفعل الزمن، في إطار رؤية شمولية تؤسس لمنظومة جديدة للبكالوريا على مستوى المناهج والبرامج والأطر المرجعية وأشكال التقويم، بشكل يقطع مع مفردات تجاوزها الزمن مرتبطة بالحفظ والتخزين والذاكرة والشحن، ويطلق العنان للمناهج والفكر النقدي والمواقف والمهارات وما تتيحه “الرقمنة” من فرص بيداغوجية وتواصلية محفزة على التعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة.

وقد اتسعت دائرة الاستثناء لتشمل باقي المستويات الدراسية الأخرى، بعدما أكدت الوزارة الوصية، في البـلاغ ذاته، “عدم استئناف الدراسة الحضورية بالنسبة لجميع التلاميذ إلى غاية شهر شتنبر المقبل” ما عدا “الإجراء الحضوري” على التوالي للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا-دورة 2020-(شهر يوليوز) والامتحان الجهوي الموحد للسنة الأولى بكالوريا-دورة 2020-بالنسبة للمترشحين المتمدرسين (شهر شتنبر)، والإعلان عن “عدم خضوع تلاميذ باقي المستويات الدراسية للأسلاك الثلاثة (ابتدائي، إعدادي، ثانوي) لامتحانات آخر السنة، بما في ذلك الامتحان الخاص بالمستوى السادس ابتدائي وامتحان السنة الثالثة إعدادي، والاكتفاء في إقرار النجاح والمرور إلى المستوى الموالي بالاعتماد على نقط الامتحانات وفروض المراقبة المستمرة “المنجزة حضوريا” إلى حدود تاريخ تعليق الدراسة (أي 14 مارس 2020)”.

وهي قرارات شجاعة، حررت نفسية الكثير من التلاميذ والأسر في ظل حجر صحي ترتبت عنه تداعيات جانبية متعددة المستويات، ازدادت تعقيدا أمام “تعليم عن بعد” أرهق التلاميذ والأسر والأطر التربوية والإدارية على حد سواء، ما عدا “مقاولات التعليم الخصوصي” (مع وجود الاستثناء طبعا) التي لم يرضها ما صدر من قرارات “غير مسبوقة”، ليس حبا في سواد عيون التلاميذ وأولياء أمورهم، ولكن حرصا على “المصلحة العمياء” التي لا تنتصر إلا للأنانية المفرطة والجشع، ولا تحتكم إلا لسلطة “الربح” و”الكسب” دون اعتبار للجائحة ولا للأزمة ولا لتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية على أولياء الأمـور، ولا للظرفية “الاستثنائية” التي تقتضي تملك قيم “الصبر” و”التضحية” و”التضامن” و”التعاضد”.

هي فرصة لفتح ملف هذه المؤسسات “الخصوصية” التي أبانت “الجائحة الكورونية” أنها “مقاولات اقتصادية” تتحكم فيها هواجس “الربح” و”الخسارة” أكثر ما هي “مؤسسات تربوية” حاملة لرسالة تربوية وقيمية ومجتمعية وتنموية، بما يضمن إخضاعها لسلطة القانون وما تفرضه من افتحاص محاسباتي ورقابة إدارية وتربوية. ومن المخجل أن يخرج بعض أربابها لتهديد أولياء الأمور ممن يرغبون في تنقيل أبنائهم إلى مؤسسات خصوصية أخرى، والبعض الآخر لم يجد حرجا في الإعلان أنه “مقاول” وغايته هي “الربح”.

ومن المؤسف أن تظل النزاعات قائمة إلى اليوم بين أرباب بعض المؤسسات الخصوصية وأولياء الأمور في أكثر من مدينة، في غياب أي “سلطة إدارية وقانونية” تتيح للوزارة الوصية التدخل لفض نزاعات حضرت فيها “الأنانية” و”المصلحة” و”المادة” على حساب “التربية” و”القيم” والمصلحة الفضلى للتلاميذ، مع التنويه بمجموعة من “المؤسسات المواطنة” التي كانت في الموعد واتخذت مواقف مسؤولة مراعاة لمصلحة الأسر في ظرفية خاصة واستثنائية، سيسجل بعدها التاريخ “من أصاب” و”من خاب”، من كان للوطن دعما وسندا ومن عبث بجسد الوطن بدون خجل أو حياء مفضلا لغة التهديد والوعد والوعيد …

وبما أن هذا الاستحقاق الوطني سيجري في زمن الوباء، فقد حضر هاجـس الوقاية والسلامة في جميع مراحل الإعداد والتنظيم، حفاظا على صحة جميع المترشحات والمترشحين وكافة المتدخلين في العملية من أطر إدارية وتربوية، عبر تنزيل “بروتوكول صحي” لم تتوقف عجلته عند حدود “التعقيم” و”الكمامات” و”أغطية الرأس” و”قياس درجات الحرارة” و”تهييئ غرف للعزل” في حالة اكتشاف أي إصابة مؤكدة، بل امتدت نحو خيارات أخرى “غير مسبوقة” في تاريخ البكالوريا المغربية، تجسدت في التقليص من عدد المترشحات والمترشحين داخل القاعات من عشرين (20) مترشحا كما جرت العادة إلى عشرة (10) مترشحين، والانفتاح على القاعات الرياضية ومدرجات الجامعات، وهي فضاءات كان من الضروري اللجوء إليها حرصا على الإجراءات الوقائية والاحترازية، ويرتقب أن تحضر الهواجس الوقائية والاحترازية نفسها داخل مراكز التصحيح والمداولات على غرار مراكز الامتحانات.

معطيات أخرى ذات “طابع استثنائي” تميز الامتحان الوطني الموحد-دورة 2020-ارتبطت بالتعبئـة الجماعية متعددة المستويات، التي عكستها جملة من المبادرات “المواطنة” الصادرة عن عدد من الجهات، في إطار الإسهام الجماعي في إنجاح هذا الاستحقاق الوطني، بدءا بانخراط قنوات القطب العمومي (الثقافية، العيون الجهوية، الأمازيغية، الرياضية) في دعم عملية “التعليم عن بعد” عبر بث دروس ومحاضرات مصورة موجهة إلى جميع المستويات الدراسية من التعليم الأولي إلى العالي، وحصص للتربية البدنية والمهارات الحياتية والتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، ودروس الدعم والتقوية والتحضير للامتحانات، مرورا بانخراط “جمعية جهات المغرب” في تعزيز ودعم التدابير الوقائية والاحترازية، بمنحها ما مجموعه “560” ألف قناع واق للرأس لفائدة المترشحين والأطر التربوية والإدارية المشاركة في الامتحان، بما يضمن تأمين سلامتهم وصحتهم وتمكينهم من ظروف اشتغال مواتية وآمنة (بلاغ مشترك بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وجمعية جهات المغرب بتاريخ 24 يونيو 2020).

وانتهاء بمبادرة “المجالس المنتخبة”-بتنسيق مع السلطات المحلية وشركات النقل الحضري-التي انخرطت في “توفير خدمة النقل المجاني” لفائدة المترشحات والمترشحين لنيل شهادة البكالوريا ببعض الجهات على امتداد فترة إجراء الاختبارات، بشكل يسمح بتمكينهم من الوصول إلى مراكز الامتحانات في الوقت المحدد وفي ظروف جيدة ولائقـة، ويتعلق الأمر بشركات النقل “فوغال باص”، “ألزا باص”، “سيتي باص فاس”، “ايكوينوكس للنقل” و”موبيليس ديف”، إضافة إلى كافة الشركاء الذين أطلقوا مبادرات مماثلة من أجل توفيـر النقل للمترشحين في هذه الظرفية الاستثنائية. (بلاغ إخباري للوزارة الوصية صادر بتاريخ 30 يونيو 2020).

ينضاف إلى ما سبق، الانخراط الفعلي لمختلف السلطات الصحية والأمنية والترابية، دون إغفال الدور المحـوري لنساء ورجال التعليم في إنجاح تجربة “التعليم عن بعد” لما عبروا عنه من حس تضامني “مواطن” في إنتاج المضامين الرقمية والحرص على الاستمرارية البيداغوجية، باستعمال وسائلهم التقنية والمادية الخاصة، في غياب أي دعم أو تحفيز.

بلغة الأرقام، ستجري أطوار الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد للبكالوريا-دورة 2020-ما بين 3 و9 يوليوز الجاري، بعدد مترشحات ومترشحين بلغ 441 ألفا و238، بعدد “ممدرسين” بلغ 318 ألفا و917 مترشحا(ة)، منهم 282 ألفا و48 بالتعليم العمومي (64 في المائة من مجموع المترشحات والمترشحين) و36 ألفا و869 مترشحا(ة) بالتعليم الخصوصي (8 في المائة من مجموع المترشحات والمترشحين)، أي ما نسبته 72 في المائة من “المترشحين الممدرسين”. مقابل ذلك، بلــغ عدد “المترشحين الأحرار” ما مجموعه 122 ألفا و321 مترشحا(ة)، بما نسبته 28 في المائة من مجموع المترشحين، فيما ناهزت نسبـة الإناث 49 في المائة من مجموع المترشحين.

وسيتولى الإشراف على حراسة الامتحانات ما مجموعه 91 ألفا و143 من الأطر التربوية، مقابل 31 ألفا و281 مكلفا بتصحيح إنجازات المترشحات والمترشحين. وعلى مستوى مراكز الامتحان، فقد انتقلت من 1500 مركز سنـة 2019 إلى 2155 مركزا خلال هذه الدورة الجارية، موزعة بين قاعات مغطاة (100 قاعة) ومدرجات جامعية (145 مدرجا) ومؤسسات تعليمية (1910 مؤسسات) ومؤسسات سجنية (46) تضم ما مجموعه 107 قاعات، سيمتحن فيها نحو 856 مترشحة ومترشحا، مقابل تخصيص ما مجموعه 371 مركزا للتصحيح بمختلف المديريات الإقليمية.

وتوسيع وعاء مراكز الامتحانات هذه الدورة ارتبط بالأساس بتقليص عدد المترشحين داخل القاعات (10 مترشحين داخل كل قاعة، وهو رقم قد يمكن الرهان عليه لكسر شوكة “الغش المدرسي بمناسبة الامتحانات الإشهادية)، والحرص على التدابير الوقائية والاحترازية بالانفتاح على القاعات الرياضية ومدرجات الجامعات، مما استلزم تعبئة عدد قياسي من الأطر التربوية والإدارية لتأمين مختلف العمليات المرتبطة بهذا الاستحقاق الوطني (بلاغ صحافي صادر يوم 18 يونيو 2020).

وهي مناسبة لدعوة الوزارة الوصية على القطاع إلى استحضار حجم المسؤوليات الجسام التي يتحملها نساء ورجال التعليم كل سنة بمناسبة استحقاقات الباكالوريا بشقيها الوطني والجهوي (الحراسة، التصحيح، مسك النقط ضمن منظومة مسار..)، باستعجال تنزيل منظومة للتحفيز (تعويضات مادية) تسمح ليس فقط بكسب رهان الجودة والفاعلية والنجاعة، بل وتتيح للأطر التربوية والإدارية الإقبال على هذه المهمات “الشاقة” بكل ما يلزم من أريحية وقابلية واستعداد، ومن غير المقبول أن يتمتع مجموعة من الموظفين في عدد من القطاعات بكل شروط الدعم والتحفيز، بينما نساء ورجال التعليم تتقاطر عليهم المهمات تباعا بالمجان، وفي غياب أدنى شروط “التحفيز” و”الاعتراف”، مما يقوي أحاسيس اليأس والإحباط وفقدان الثقة، ويكبح جماح المردودية وروح المبادرة .

هي إذن “بكالوريا” استثنائية ستجري أطوارها في “طقوس استثنائية” مرتبطة بالجائحة التي أربكت العالم وبعثرت كل الأوراق واختبرت قدرات العديد من المنظومات التربوية عبر العالم، وما تم اتخاذه على المستوى الوطني من قرارات “غير مسبوقة”، قد نضعه في “خانة الاستثناء” بعد رحيل الجائحة والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية وإلى الدروس الحضورية التي لا يمكن قطعا تعويضها بالتعليم “عن بعد”.

لكن داخل “الاستثناء”، برزت جملة من القضايا التربوية التي ما كان لها أن تبرز بهذه الحدة والدرجة لولا الجائحة “الكورونية”، وهي قضايا تتقاطع في شموليتها في ضرورة استعجال إحداث “ثورة ناعمة” تطال المناهج والبرامج وأشكال التقويم وطرائق التدريس والحياة المدرسية بشكل يــؤسس لتعليم عصري ناجع وفعال، له من القدرات ما يسمح بالتكيف مع الثورة الرقمية الهائلة وما تتيح من إمكانيات بيداغوجية وتواصلية متعددة الزوايا، وبمواجهة كل الأزمات والحوادث الفجائية، والظرفية الاستثنائية تقتضي تشريح واقع حال المنظومة التربوية على ضوء “اختبار كورونا” بموضوعية وتجرد وحياد وتبصر، في إطار “مقاربة تشاركية”، بعيدا كل البعد عن القرارات “الفجائية” أو “الفوقية” التي تمرر في صمت، والتي لا تزيد الرؤية إلا غموضا والإصلاح إلا ارتباكا.

وبعيدا عن المناهج والبرامج، برزت الحاجة الماسة لتأطير عمل “مؤسسات التعليم الخصوصي” بما يضمن إخضاعها لسلطة القانون، كما برزت الحاجة لجعل “التعليم” شأنا مجتمعيا تنخرط فيه كل المؤسسات والفعاليات المجتمعية، كما حدث مع انخراط قنوات القطب العمومي في دعم “التعليم عن بعد”، ودور “جمعية جهات المغرب” في دعم التدابير الوقائية والاحترازية بمنح الآلاف من الأغطية الواقية للرأس، وما قامت به بعض المجالس المنتخبة والسلطات المحلية وشركات النقل الحضري من مبادرات “مواطنة” لدعم نقل المترشحين مجانا إلى مراكز الامتحان.

كلها تدخلات تستحق الشكر والثناء، تفرض على الوزارة الوصية والأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية الرهان على اتفاقيات الشراكة والتعاون، بما من شأنه دعم المدرسة العمومية والارتقاء بمستوى قدراتها، وما دام الأمر يحيل على “الإصلاح”، فهي دعوة إلى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي من أجل استخلاص ما أبانت عنه الجائحة من نواقص وثغرات في المنظومة التربوية بكل مستوياتها، من أجل بلورة رؤية رصينة قادرة على إرساء دعامات تعليم عصري، يعول عليه لكسب رهانات التنمية الشاملة التي لا يمكن تصورها إلا في ظل “تعليم” يقطع مع “الارتباك”، يحظى فيه رجل التعليم بما يستحق من عناية واحترام وتحفيز وتقدير.

ونختم بأن نتمنى التوفيق والنجاح والسداد لمترشحين “استثنائيين” في زمن “استثنائي”.

hespress.com