عبر محمد بنعبد القادر، وزير العدل، عن ارتياحه لتجربة “التقاضي عن بعد” التي اعتمدها المغرب قبل سنة، مع ظهور بؤر وبائية لفيروس كورونا داخل المؤسسات السجنية والقضائية، معتبرا أنها “ساهمت في تسريع وتيرة البت في قضايا المعتقلين والإفراج عنهم”.

وأشار المسؤول الحكومي في كلمته التي ألقاها في ندوة حول “المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة”، إلى أنه “بفضل هذه التقنية، تم خلال سنة كاملة الإفراج عن أكثر من 12 ألف معتقل، إما بسبب تمتيعهم بالسراح المؤقت أو التصريح ببراءتهم أو تخفيض العقوبة الحبسية الصادرة في حقهم أو تأييدها أو تحويل العقوبة الحبسية النافذة إلى موقوفة التنفيذ أو سقوط الدعوى العمومية”.

وقال إن “اعتماد هذه التقنية كان قرارا مشتركا لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة. والوزارة في إطار الاختصاصات الموكولة إليها قانونا بادرت إلى توفير الإمكانيات اللوجستيكية والتقنية والبشرية”.

ولضمان نجاح هذه التجربة، يضيف بنعبد القادر، تم “إنشاء 220 حسابا إلكترونيا وزعتها (الوزارة) على المحاكم والمؤسسات السجنية، وتم التنسيق مع المسؤولين القضائيين والمديريات الجهوية لإدارة السجون وإعادة الإدماج لتجهيز المحاكم وتهييئ القاعات على مستوى المؤسسات السجنية بحواسيب معدة لهذه العملية”.

وعملت الوزارة على “تجهيز القاعات المخصصة للمحاكمة عن بعد داخل المؤسسات السجنية بما تحتاجه من المعدات والبرامج المعلوماتية اللازمة لهذه الخدمة، مع ضمان صيانتها، وربطها بخطوط الإنترنت عالي الصبيب، الذي يضمن جودة الصوت والصورة وعدم انقطاع البث”.

وأبرز الوزير أنه “تم تجهيز 69 مؤسسة سجنية من أصل 71 بخدمة الإنترنت، منها 62 مؤسسة بالإنترنت عالي الصبيب، و07 مؤسسات بالإنترنت من نوع G4، كما خصصت الوزارة غلافا ماليا يصل إلى خمسة ملايين درهم، تم استثماره لاقتناء وتثبيت جميع المستلزمات التقنية واللوجستيكية الكفيلة بضمان جودة هذه العملية”.

وأوضح المسؤول الحكومي أنّه “تم توزيع 104 من الحواسيب الثابتة مع كاميرات خاصة بها على المؤسسات السجنية، من أجل وضعها بالقاعات المعدة للمحاكمة عن بعد، كما تم توزيع 90 كاميرا رقمية متحركة جاري تثبيتها بقاعات الجلسات بمختلف محاكم المملكة”.

وواصل بنعبد القادر بأنه “تم تثبيت 164 شاشة تلفاز من الحجم الكبير بقاعات الجلسات بمختلف محاكم المملكة، مع تثبيت 215 حسابا إلكترونيا خاصا بالتواصل عن بعد بمحاكم المملكة والمؤسسات السجنية”.

وكشف المسؤول الحكومي أنه “تم إعداد مشروع قانون يتعلق برقمنة الإجراءات والمساطر في المسطرتين المدنية والجنائية، وقد تمت إحالته على مسطرة المصادقة والاعتماد، ومن المنتظر أن يحال على المجلس الحكومي خلال الأسابيع القليلة المقبلة”.

وفي هذا الإطار، ينص المشروع الجديد على إمكانية عقد جلسات المحاكمة عن بعد في القضايا الزجرية عبر تقنية المناظرة المرئية للاستماع إلى الأطراف من قبل قضاة الحكم أو قضاة التحقيق أو قضاة النيابة العامة في بعض الحالات، وكذا استعمال تقنية الاتصال عن بعد لتواصل المحاكم مع الأطراف والشهود والخبراء والتراجمة، مع التأكيد على أن إجراءات البحث أو التحقيق أو المحاكمة التي تتم بهذه الطريقة، لا يمكن اللجوء إليها إلا بعد الموافقة الصريحة للمشتبه فيه أو المتهم أو الشخص المراد الاستماع إليه، وأن تضمن هذه الموافقة في المحضر.

كما ينص المشروع أيضا على السماح للقضاة المغاربة في إطار آليات التعاون الدولي بالاستماع إلى أشخاص موجودين خارج التراب الوطني، وذلك باستعمال تقنية الاتصال عن بعد، مع مراعاة الاتفاقيات الدولية والقوانين الداخلية للدول التي يجري الاتصال داخل إقليمها الوطني.

لذلك، شدد بنعبد القادر على أن “التجربة المغربية موضوع هذه الندوة الوطنية تندرج ضمن التشريعات العصرية المتجهة إلى تحديث قطاع العدالة من خلال استعمال التكنولوجيات الحديثة في تيسير الإجراءات الزجرية من جهة، والسعي قدر الإمكان إلى تقريب العدالة من الأفراد من خلال تقديم أكبر قدر ممكن من الخدمات عن بعد من جهة أخرى”.

وختم الوزير كلمته بالتشديد على أن “اللجوء إلى المحاكمة عن بعد كان محكوما بعنصري الضرورة والاستعجال، كما يندرج ضمن مقاصد الشرع الخمسة التي يعد حفظ النفس واحدا منها، ويحتل المرتبة الثانية فيها بعد حفظ الدين، ويأتي أيضا في إطار مبدأ حفظ الحق في الحياة الذي كرسه دستور المملكة”.

hespress.com