في خضم النقاش الدائر في فرنسا بعد مطالبة الرئيس ماكرون المسلمين المقيمين هناك بتوقيع “ميثاق المبادئ”، قال عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، إن هناك إمكانية للتوافق بين العلمانية والإسلام، وإن الدين الإسلامي لا يتعارض مع مبادئ العلمانية ولا مع مبادئ الجمهورية الفرنسية.

واعتبر بوصوف في محاضرة ضمن “لقاءات الخميس”، التي تنظمها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن العلمانية الفرنسية تنص على أن الدولة تقف على الحياد إزاء جميع الأديان، وأن هذا المبدأ يتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي، مشيرا إلى أن مسألة الفصل بين الدين والسياسة ناقشها المسلمون منذ عصور.

وأوضح أن الرسول كان مشرّعا يشرّع في الشؤون الدنيوية للمسلمين، ولكن الفقهاء فرّقوا بين ما له أصل ديني وما هو دنيوي، كما أن القرآن، في مسألة العقيدة، ترك حرية الاختيار للإنسان، من خلال آيات مثل “لا إكراه في الدين”، و”فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.

ويرى بوصوف أن المشكل الأكبر الذي بسببه يُنظر إلى الإسلام في فرنسا، وفي دول غربية أخرى، على أنه متعارض مع مبادئ العلمانية، يكمن في الفاعل السياسي، الذي يقدم الإسلام على هذه الصورة لأهداف معينة، لكن بوصوف حمّل المسؤولية للمسلمين أيضا، بقوله: “حتى نكون موضوعيين، بعض تصرفات المسلمين تجعل الإسلام متعارضا مع العلمانية”.

واستدل المتحدث بوقائع تبيّن أن السياسيين في فرنسا يتحملون المسؤولية في إقامة شرخ بين الإسلام والعلمانية، برفض عمداء بعض المدن الترخيص لبناء مساجد، “وهذا يدلّ على انعدام رغبة سياسية لتطبيق العلمانية”، موضحا أن بلدية مرسيليا لم ترخّص لبناء مسجد على ترابها منذ عام 1917.

وفي الجانب الآخر، توجد مسؤولية المسلمين، حيث قال بوصوف: “نحن أيضا نقدم بعض العادات التي لا تمتّ إلى الدين الإسلامي بصلة في جملة من القضايا، مثل الحقوق الفردية، وقضايا المرأة، وحقوق الإنسان، والتي لا يرفضها الإسلام بل ترفضها بعض أنماط التدين من أجل تكريس التنافر بين الإسلام والعلمانية”.

وذهب المتحدث إلى القول إن الإسلام “أقرب إلى روح العلمانية من باقي الأديان التوحيدية”، معتبرا أن الإسلام قادر على الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الفرنسيون، من قبيل: هل الإسلام قادر على التأقلم مع الوضع الجديد؟ وهل هو قادر على التفاعل مع الأسئلة المنبثقة من السياق الجديد من قبيل العلاقات الرضائية والمساواة بين بين الجنسين وغيرها؟

وتوقف بوصوف عند مسألة تكوين الأطر الدينية وفق النمط الذي تسعى فرنسا إلى اعتماده، حيث ترمي إلى تكوينهم داخل التراب الفرنسي من أجل التشبع بقيم ومبادئ الجمهورية، معتبرا أن هذا مطلوب، “لكن لا يجب حصر التكوين في هذا البعد، بل لا بد من الانفتاح على المراكز العلمية المرموقة، كالأزهر والزيتونة وغيرهما”.

وأضاف أن الفقهاء الذين تخرجوا في هذه المراكز لم يجدوا مشكلا في الاندماج في المجتمع الفرنسي، مثل محمد عبده، وقاسم أمين الذي عاش في فرنسا وألف كتاب “تحرير المرأة”.

وشدد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج على ضرورة أن يكون تكوين الأطر الدينية مزدوجا، يجمع بين العلوم الدينية والعلوم الإنسانية، من أجل اكتساب معرفة تمكّن المسلمين من تقديم أجوبة تتلاءم مع الواقع الحالي، موضحا أن المؤطر الديني “ينبغي أن يكون ابن زمانه وسياقه، وهذا يستدعي أن يكون مكوَّنا تكوينا أصيلا وأن يكون ملمّا بالمعارف الإنسانية”.

ويرى بوصوف أن الإشكال لا يكمن في التباعد بين الإسلام والعلمانية، بل في انعدام المعرفة بين الطرفين، ووجود شرح إبستمولوجي بينهما، وزاد موضحا بالقول: “المسلمون لديهم معرفة جزئية بالدين الإسلامي معتمدة على نمط تطور معين يمنعها من إيجاد أجوبة جديدة للقضايا الراهنة بسبب ضعف المعرفة بالدين”.

وفي الجانب الأوروبي، يضيف المتحدث، هناك قصور في معرفةٍ حقيقية بالدين الإسلامي؛ “ففي الماضي كانت فرنسا تعرف الإسلام جيدا، من خلال جيش من المستشرقين والباحثين الجامعيين الذين درسوا القرآن وترجموه، واليوم هذه المعرفة غائبة، ما يجعل السياسيين الفرنسيين يقدمون الإسلام على غير حقيقته”.

وأردف أن كثيرا من المتحدثين عن الإسلام في وسائل الإعلام الفرنسية يجهلون الإسلام ويتحدثون عن بعض الظواهر السطحية، مثل التطرف الديني، لكن تعوزهم المعرفة للنفاذ إلى أعماق الظاهرة.

وختم بوصوف بالقول: “هناك إمكانية للتوافق بين الإسلام والعلمانية، والتأقلم الديني بأوروبا، فقط ينبغي توفير أطر دينية ذات كفاءة من أجل تحقيق التلاقي والتوافق بين مبادئ الإسلام ومبادئ العلمانية”.

hespress.com