رحب المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمبادرة “المحاكمة عن بعد”، التي تم إطلاقها قبل سنة تزامنا مع ظهور جائحة “كورونا” في البلاد، معتبرا أن هذه المبادرة تهدف إلى “الحد من آثار وباء الفيروس على سير عمل نظامنا القضائي، واحترام المواعيد النهائية لمعالجة الملفات القضائية”.
وأكدت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في كلمة ألقتها الثلاثاء خلال أشغال الندوة الوطنية حول “المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة” التي نظمتها وزارة العدل، أن “الجائحة أثارت تساؤلات حول ضمان عدالة المحاكمة، بما في ذلك السؤال الأساسي حول شرعية المحاكمة عن بعد وحماية حقوق الإنسان المتقاضين ذات الصلة بتنظيم جلسات استماع أولية في لائحة الاتهام والاستئناف عن بُعد عن طريق التداول بالفيديو”.
وشددت المسؤولة ذاتها على أنه “وفقا المبدأين 11 و12 من مبادئ سراقوسة التي أقرتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن كل تقييد يمس بالعلنية والمثول الجسدي للمتهم أمام القضاء وبجانبه محاميه يكون مبررا إذا كان سببه مرتبطا بالنظام العام وحفظ الصحة العامة”.
وبعدما أكدت في كلمتها أن “نظام المحاكمة عن بعد لا يشكل من حيث المبدأ مسا بالمحاكمة العادلة أو تهديدا لها”، أوردت بوعياش أن “عدالة هذه المحاكمة رهينة بمدى تجسيدها لمبادئ الضرورة والتناسب والشرعية وسيادة القانون والتوازن بين الأطراف، وبمدى استجابتها لقواعد العدل والإنصاف واحترامها لحقوق الدفاع”.
وفي هذا الصدد، تتابع رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان قولها بأن “اعتماد نظام المحاكمة عن بعد مكن، منذ سريانه، من تحقيق نتائج عكستها الإحصائيات الدورية التي ينشرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ وهو ما يبدو من خلال عدد الجلسات المنعقدة عن بعد، وعدد القضايا المدرجة فيها، والتي تسائلنا عن أهمية تتبع المؤشرات المتعلقة بها كل أسبوع”.
وعددت بوعياش بعض الملاحظات بشأن التقاضي عن بعد، خاصة في ما يتعلق بـ”إعمال نظام المحاكمات عن بعد في القضايا الجنائية والجنحية التلبسية، الذي لم يخل من بعض الإشكاليات المقلقة.
ومن بين هذه الإشكاليات، تضيف رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، “وضعية المعتقلين الاحتياطيين الذين يتمسكون ودفاعهم بالحق في الحضور يبقى مطروحا ما دام تشبثهم بهذا الحق يؤدي، في بعض الأحيان، إلى تأجيل البت في قضاياهم؛ وهو ما قد يشكل إخلالا بمبدأ الحق في المحاكمة داخل أجل معقول باعتباره من أهم مبادئ المحاكمة العادلة”.
وقالت المسؤولة ذاتها بأن “الإحصائيات المتاحة لا تتضمن أي إشارة إلى الذين تشبثوا بمبدأ الحضورية، ولا إلى طبيعة القضايا المتابعين من أجلها، ولا إلى نوعية الإجراءات المتخذة لضمان حقهم في المحاكمة داخل أجل معقول”.
ولاحظت بوعياش “استمرار تسجيل صعوبات تقنية ولوجستيكية الناتجة عموما عن ضعف الصبيب، وتزامن توقيت انعقاد جلسات عديدة داخل دائرة النفوذ التابعة لبعض المؤسسات السجنية؛ وهو ما يؤدي إلى ارتباك على مستوى توقيت انعقاد الجلسات ويؤثر بالضرورة، سلبا، على وضعية أطراف الدعوى العمومية والمدنية”.
وسجلت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن “الجهود المتخذة لإعمال تجربة المحاكمات عن بعد، على مستوى المحاكم، لم تستحضر وضعية بعض الفئات وحقهم في الولوج إلى العدالة وفي الانتصاف، ومن بينهم الأشخاص في وضعية إعاقة سمعية بصرية”.
واستطردت المتحدثة ذاتها أن “اللجوء إلى اعتماد نظام المحاكمة عن بعد لا يزال يطرح إشكاليات جوهرية ترتبط بالسند الشرعي لهذه المحاكمات في غياب أي نص قانوني يحفظ، في سياقها، حقوق جميع أطراف الدعوى العمومية والمتدخلين فيها، ويضمن التوازن الضروري فيما بينها، ويعطي لمبدأي الحضورية والتواجهية معناهما الكامل”.