قالت أمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن أزمة “كوفيد-19” أثارت زوبعة من الأسئلة، أحيانا “ذات طبيعة فلسفية تضع على المحك طريقة فهمنا للإشكاليات المطروحة في مجال حقوق الإنسان وتسائلنا من زاوية الحلول وطرق المعالجة، وأحيانا أخرى ذات طبيعة وجودية دفعتنا للرجوع إلى تاريخ الإنسانية، ومقاربة الدروس المستفادة، لتتضح لنا أمور يصعب نفيها أو التغاضي عن رؤيتها”.
وأضافت بوعياش في كلمتها خلال مشاركتها في الندوة الدولية حول “حماية النساء خلال الأزمات الإنسانية” التي نظمتها اللجنة الوطنية للقانون الإنساني الدولي، أن “أزمة كورونا ما زالت تؤكد أولا أن الأزمات الإنسانية والنزاعات، مع اختلاف أبعادها وتباين انعكاساتها، تبقى حتمية الوقوع، وثانيا أن النساء والفتيات والأطفال دائما ما كانوا أكثر عرضة لتأثيراتها، سواء تعلق الأمر بأزمة إنسانية أو نزاع أو غيرهما”.
فالأمر يتعلق، وفق المتحدثة، “بسلوكات وتدابير سلبية ترافق مختلف الأزمات كما تشير إلى ذلك الدراسات والأبحاث والتقارير، مما يتطلب توسيع الفهم وتعميق الاستيعاب للتفاعل مع الأزمات الإنسانية والنزاعات، الحالية منها والقادمة”.
وتابعت قائلة: “نعرف جيدا أن النساء والفتيات يواجهن مصاعب ومعيقات بطريقة شبه نسقية، وتزداد هذه المصاعب حدة وشدة في سياقات الأزمات الإنسانية والنزاعات، حيث تتمدد وتتشعب لتجعل حقوقهن أكثر عرضة للانتهاك كنتيجة لضعف الهياكل الاجتماعية وانهيار النظم السياسية والقانونية أو عجزها. ويتعرضن بالتالي إلى تهديدات أعمق وأكبر مع انعدام الأمن، كاستعمالهن كوسيلة للحرب بشكل يستهدف تحطيم الروابط الاجتماعية وتقويضها، أو استغلالهن، كما رأينا في بعض الحالات المرتبطة بالكيانات غير الدولتية، لوضع أسس مجتمعاتية تهدف لضمان استمرار هذه الكيانات وترسيخها”.
وأبرزت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن مقاربة المنظومة الدولية لحماية النساء خلال النزاعات عرفت تطورات هامة خلال العقدين الأخيرين، “أهمها تلك التي تقدمت بها لجنة الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، واعتبارها أفضل إعمال للقرار 1325 الذي صادق عليه مجلس الأمن سنة 2000 والذي يؤطر حماية النساء بالنزاعات ويحدد أحكام ومبادئ لتعزيز دور النساء في بناء السلم. بالإضافة إلى اعتماد منهاج عمل بيجين الذي يضم 12 مجالا حاسما من مجالات الاهتمام التي من شأنها النهوض بأهداف المساواة والتنمية والسلم لجميع النساء”.
وشددت بوعياش على أن اعتماد هذه المرجعيات في حماية حقوق النساء والفتيات، أبرز أن الأزمات وحالات النزاعات متعددة، وأن حماية حقوقهن تعتمد على أجرأة خطط مندمجة وواضحة لتفادي بيئة حاضنة للانتهاكات، تسبب آثارا سلبية مباشرة وغير مباشرة على حقوق النساء والفتيات اللواتي يتعرضن خلالها وبعدها لانتهاكات قد تمس ليس فقط العديد من الحقوق الأساسية، بل أسمى حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة. وتجعلهن أكثر عرضة للعنف بأشكاله المتعددة، وتعرضهن في كثير من الأحيان للاعتداء الجنسي والاغتصاب والاستغلال والإساءة والاتجار والعنف المنزلي كانعكاسات مباشرة وحتمية. وهذه الانتهاكات المتعددة تجعل المصاعب والمعيقات التي يواجهنها تتطور وتتمدد بطريقة قد تترك آثارها على أجيال أخرى قادمة.
وقد سبق للمجلس، تضيف الرئيسة، أن “شدد الأسبوع الماضي، في سياق تفاعله مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على أن خريطة النزاعات الإقليمية الموروثة عن الحرب الباردة ومخلفات ترسيم الحدود تطرح تحديات متجددة لحماية الأطفال. ونشدد اليوم على نفس التحديات لحماية النساء والفتيات ومنع استغلالهن في وأثناء النزاعات”.
كما أكدت رئيسة المجلس أن النزاعات، وخاصة بإفريقيا، تهدد قيم حقوق الإنسان والسلم والأمن الدوليين، مما يستوجب على المجتمع الدولي اعتماد استراتيجية للتصدي لاستغلال الفئات الهشة، والتحرر من التقاطب التقليدي الذي مازال يوفر شروط استمرار النزاعات الإقليمية، بما فيها الخارجة عن التصنيف المشمول بمشروعية القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. كما دعا المجلس إلى اتخاذ المزيد من التدابير الردعية لمنع استغلال هشاشة وضعية النساء والفتيات والأطفال في النزاعات من طرف الكيانات الدولتية وغير الدولتية.
واسترسلت بوعياش قائلة: “إننا، في هذه الأوضاع، نكون أمام تحد وعجز عن توفير شروط حماية النساء والفتيات في مراحل النزاعات، خاصة من طرف الكيانات غير الدولتية، بصفتها لا تخضع لأي التزام دولي ولا لأي إرادة ولا مساءلة تمكن من الحماية. كما أن الاضطرابات التي تطرحها الأزمات الإنسانية والنزاعات تؤدي إلى تردي مستوى الخدمات الأساسية في مجالات الأمن والصحة والعدالة والخدمات الاجتماعية، وتزيد من حدة العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تمتد المخاطر من العنف المنزلي إلى الاغتصاب كسلاح حرب على سبيل المثال، مما يجعل من مسألة توفير الإيواء الآمن وحماية النساء والفتيات أمرا ذا أولوية قصوى، خصوصا اللواتي نزحن أو تم نقلهن إلى وجهات محددة أو احتجازهن في أماكن أخرى غير مواطنهن”.
واعتبرت أمنة بوعياش أن الإيمان بالقوانين والتشريعات، بما فيها القانون الدولي الإنساني وقدرته على توفير الحماية، في حالات النزاع المسلح، لا يسري على التوترات أو الاضطرابات الداخلية من قبيل أعمال العنف المتفرقة التي لا تصل إلى حد النزاع المسلح، حيث يميز القانون الدولي الإنساني بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، مشددة على أن حماية النساء والفتيات يجب أن تتوفر في جميع الأوقات والأحوال وفي جميع الظروف، وبدون أي استثناء أو تهاون، وبالنسبة للجميع، بما فيها النزاعات التي عرفت تغيرا في طبيعتها من حالة نزاع مسلح إلى حالة نزاع مختلف تغيب عنه المواجهات المسلحة وغير خاضع لأي تصنيف.
وختمت بوعياش كلمتها بالتأكيد أن العمل على إحقاق حقوق النساء والفتيات وفعليتها خلال الأزمات يمر عبر توفير الشروط الاقتصادية والسوسيو-ثقافية التي تمكنهن من المساواة، “لأن الأكيد أن سلب الحقوق الضمني يكون جاريا أثناء الوضعيات «العادية»، وهو الذي يتفاقم أثناء الأزمات. فلنعمل جميعا من أجل منع انتهاك حقوق النساء والفتيات في حالات السلم كما في حالات الأزمات”.