سلوك مجتمعي يتجدد بحلول شهر رمضان، حيث ترتفع أعداد المتسولين بشكل مضاعف، خاصة أن السياق الحالي يتزامن مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس “كورونا” المستجد؛ ما يدفع فئات كثيرة إلى امتهان التسول لسد احتياجات هذا الشهر.
وفيما توجد فئات معينة اضطرت إلى مد يدها للناس بعد فقدان وظائفها، لا سيما الأرامل والطاعنين في السن، فإن فئات أخرى تجعل من التسول طقسا سنويا للربح السريع، نظرا إلى “الأجواء الروحانية” التي تطبع رمضان؛ ما يدفع المواطنين إلى مساعدة بعضهم البعض.
وتزايدت أعداد المتسولين بشكل ملحوظ في الحواضر المغربية، خلال الأيام الأخيرة؛ الأمر الذي أصبح مصدر قلق بالنسبة إلى المارة، ويسائل السياسات الحكومية المتبعة في المجال، اعتبارا لخصوصية الشهر الذي يستدعي دعم الفئات الاجتماعية “الهشة”.
وفي هذا السياق، قال رضوان جخا، باحث في السياسات الاجتماعية، إن “التسول يشكل ظاهرة اجتماعية وجب الوقوف عند مسبباتها بشكل عميق، خاصة مع استفحالها بنسب متفاوتة بين المدن الكبيرة بالخصوص، مع ملاحظة تصاعد بروزها في المدن والأقاليم ذات الطابع القروي على غرار أقاليم جهة درعة تافيلالت”.
وأضاف جخا، في تصريح لهسبريس، أن ذلك “ما يثير القلق؛ ففي مثل تلك المناطق يكون التسول عيبا على المستوى السوسيو-ثقافي؛ لكن مع بداية اندثار قيم التآزر والتضامن والانتقال من العائلة الممتدة إلى الأسرة النووية، أفرز لنا ظهور التسول بشكل علني”.
وأوضح الباحث أن “دوافع الظاهرة متعددة، ويمكن تقسيمها إلى صنفين؛ فهناك دوافع منطقية يمكن تقبلها على غرار غياب المُعيل وانعدام الدخل، وهذه الفئة وجب وضع إستراتيجيات حكومية لدعمها لأنها تستحق المساعدة الاجتماعية، بينما يمتهن الصنف الثاني التسول؛ وهو أمر مرفوض وغير مقبول”.
واستطرد: “لعل واقعة السيدة المتسولة التي عُثر بحوزتها على أموال وسيارة لدليل واضح على أن امتهان التسول لا يعني بالضرورة قلة الحاجة؛ بل يمكن أن تكون له دوافع أخرى وجب على الفاعل السوسيولوجي البحث في أغوارها”، ثم زاد: “المغرب، كما توضح تقارير المندوبية السامية للتخطيط، وصلت نسب الفقر فيه خلال سنة 2019 إلى قرابة 17 في المائة، لترتفع إلى حوالي 20 في المائة في السنة المنصرمة”.
وأكد المتحدث أن “الارتفاع الملحوظ يمكن تبريره مع التداعيات الاقتصادية التي خلفتها –وما زالت تُخلفها- جائحة كورونا؛ لكن هذا لا يعني أن نقف ونتفرج على الوضع، فالحكومة بالفعل قامت بمجهودات بخصوص الدعم الاجتماعي في ظل الجائحة؛ لكنه مسّ الفئات الهشة التي فقدت الشغل بفعل كورونا؛ في حين أن الفئات الفقيرة جدا أو التي تعيش تحت عتبة الفقر لم يُخصص لها بعد إستراتيجيات حكومية قادرة على مسايرة ومساعدة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على التقليص من نسب الفقر”.
وبشأن دور وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، فمضى مسترسلا: “أكيد أنه لا يمكن إنكار مجهودات الوزارة، والحكومة بصفة عامة، لكنها تبقى غير كافية، بل إن شساعة الهوة بين ما تحقق وما هو مأمول بلوغه واسعة جدا. وهنا نأمل أن يخصص صندوق للتقليص من نسب الفقر والهشاشة، خاصة مع اقتراب تنزيل قانون السجل الاجتماعي الموحد الذي سيحدد خريطة الهشاشة بجميع الأقاليم”.
كما أنه وجب على الوزارة الوصية القيام بتقييم موضوعي بخصوص إستراتيجيتها المُتعلقة بدعم الفئات الهشة، وفق الباحث الاجتماعي، الذي ضرب المثال بصندوق دعم التماسك الاجتماعي لدعم الأرامل واليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة، ليخلص إلى “ضرورة تلاقح كافة القطاعات والمُتدخلين لمعالجة الظاهرة متشعبة الأبعاد، مع وضع إستراتيجيات حكومية تهتم بالتشغيل والتكوين والصحة والتعليم، وتأخذ بعين الاعتبار رأي الخبراء الاجتماعيين”.