السبت 04 يوليوز 2020 – 07:45
رصد تقرير أعدته الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ملاحظات ومعطيات تم توثيقها خلال الفترة الممتدة من بداية سريان حالة الطوارئ الصحية إلى غاية يوم 26 يونيو، ويضم موجزا لأهم نتائج الرصد والتتبع لمختلف الأحداث التي رافقت وباء كورونا بالمغرب بداية من التدابير الأولية والإجراءات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية الذي اتخذتها الدولة المغربية كآليات للتصدي لهذه الجائحة.
واستعرض التقرير جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمنع انتشار وباء كورونا المستجد بالمغرب، معتبرا أنها مكنت من تجنيب البلاد كارثة صحية، سواء تعلق الأمر بإقرار حالة الطوارئ الصحية أو بإغلاق الحدود أو فرض الحجر المنزلي أو توقيف الدراسة وتعويضها بالتعليم عن بعد وغيرها من القرارات.
وأوردت الهيئة أن بعض القرارات كانت تمييزية تفاضلية بين أطر الوظيفة العمومية وعموم الأجراء، من جراء تأجيل الترقيات لبعض القطاعات دون الأخرى، “خاصة أنها ترتبط بحقوق اجتماعية مكتسبة، وذلك اعتبارا لكون حالة الطوارئ الصحية لا تبرر خرق اتفاقيات العمل الدولية المصادق عليها من طرف البلد، ولا سيما منها ما يتعلق بمنع التمييز في العمل”.
كما رصدت الهيئة تمييزا بين الفئات على مستوى الدعم؛ إذ تم تخصيص دعم مهم للصحافة الورقية دون الصحافة الإلكترونية على الرغم من المجهود الجبار الذي بذلته وتبذله، وكذلك رصدت تباينا على مستوى تطبيق الحجر؛ إذ تغاضت السلطات في بعض الجماعات عن خرق الحجر حيث استمر أداء الحرفيين لنشاطهم واستمرت بعض الخدمات.
وشدد التقرير على أن تقييد حركة المدافعين عن حقوق الإنسان خلال حالة الطوارئ الصحية لم يمنعهم من تتبع الوضعية ميدانيا ومتابعة احترام التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان، حيث “عروا عن عدد من السلوكات التي تبين سلطوية بعض أفراد السلطة المحلية، خاصة القواد وكذلك أفرادا من القوات المساعدة الذين كشفت فيديوهات أنه لم يسلم من عنفهم حتى ممثلا للنيابة العامة، وصحافية تابعة لقناة عمومية تم الاعتداء عليها بمدينة تيفلت، ووثقت الفيديوهات امتهانا لكرامة المواطنات والمواطنين الذين وجدوا في وضعية خرق قانون حظر التجول”.
وأضاف: “كما تحدث مدافعون عن حقوق الإنسان عن حالات تحوم حولها شبهات تتعلق بالحصول بطرق غير قانونية على التراخيص الاستثنائية، بينما رصدت الهيئة التماطل والتسويف في بعض حالات المطالبة بالتراخيص الاستثنائية، بما فيها المتعلقة بأسباب صحية، وكذا تحدث البعض عن استغلال إجراءات الحجر لتصفية الحسابات مع بعض المعارضين للسياسات العمومية والزج بهم في محاكمات”.
ونوهت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بفئة من رجال السلطة وأسلوبهم الحضاري والإنساني في هذه اللحظات العصيبة وبحس المسؤولية والوطنية، وكـ”نموذج لا على سبيل الحصر، قائدة أسفي (حورية)، ورجل السلطة الذي انحنى وتعالى نداؤه بالاعتراف والتقدير في حق نساء ورجال التعليم، كما شكل تعامل رجل سلطة برتبة قائد مع الأفارقة المقيمين بالمغرب، ودعوتهم إلى دخول بيوتهم، والتزام العزلة الصحية، والترحيب بهم في بلدهم الثاني، ومناشدته لهم التواصل مع السلطات في حالة الحاجة، حدثا يستحق الإشادة والتنويه”.
تقرير الهيئة تطرق للعنف ضد النساء خلال الحجر، حيث أورد أن الحالات المعنفة شهدت ارتفاعا بنسبة 91,7 في المائة، و4,4 في المائة بالنسبة للعنف الأسري، كاشفا أن فروع التنظيم الحقوقي شرعت في تقديم خدمات الاستماع عن بعد عبر الهاتف بهدف مساعدة النساء المشتكيات ضحايا العنف والإبلاغ عن الخروقات.
ووضعت الهيئة، يقول التقرير، مداومة على مستوى المقر المركزي وأحدثت رقما أخضر رهن إشارة المواطنات والمواطنين لكل طلب مساعدة، حيث بلغ عدد الحالات المتكفل بها خلال الفترة المشار إليها أكثر من 659 حالة عنف، كما بادرت إلى تقديم مساعدات عينية عبارة عن مواد غذائية وكمامات ومعقمات لفائدة 1840 أسرة، إلى جانب تبرع الهيئة لصندوق تدبير جائحة فيروس كورونا الذي أحدثته الدولة لإعالة الأسر المتضررة.
وتماشيا مع الإجراءات الاحترازية المتخذة لمحاربة تفشي فيروس كورونا وحرصا على سلامة الجميع، يورد التقرير، قامت وزارة العدل في ظل أزمة كورونا بإطلاق عملية التقاضي عن بعد، “إلا أن هذه المبادرة واكبتها إكراهات ولها في المقابل رهانات، ففي فقه حقوق الإنسان تقوم المحاكمة العادلة على معايير أساسية، وهي العلنية والحضورية وضمان حقوق الدفاع ومؤازرة المحامي والمحاكمة في أجل معقول؛ كلها قواعد معيارية أساسية يمكن ضمانها في المادة الزجرية بالوسائط الإلكترونية، لكن يبقى تحقيق هذه الشروط رهينا بعدد من الاعتبارات في ظل حالة الطوارئ الصحية، أهمها التناسب ما بين الحق في الصحة والسلامة والحق في المحاكمة بشروطها العادية والعادلة”.
كما تطرق التقرير لإعلان المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن 5216 معتقلا استفادوا من عملية المحاكمات عن بعد، حيث تمت محاكمتهم دون الحاجة إلى نقلهم إلى مقرات المحاكم تفاديا لكل المخاطر الصحية المحتملة في هذه الظرفية الاستثنائية، كما تم الإفراج عن 225 منهم لأسباب مختلفة.
ونوهت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بالانخراط الجاد والمسؤول لكل السلط والمؤسسات والفاعلين من مهنيي العدالة في إطار من التعاون والانسجام، حيث قامت مختلف محاكم المملكة خلال الفترة الممتدة من 4 إلى 8 ماي بعقد 306 من الجلسات عن بعد أدرجت خلالها 4786 قضية وتم البت في 1868 منها.
واعتبرت الهيئة الحقوقية أن اعتماد تقنية التقاضي عن بعد يتطلب مستقبلا تدخلا تشريعيا لوضع ضوابط وإرساء قواعد خاصة به لتحقيق التوازن ما بين الحق في الصحة والسلامة والحق في المحاكمة بشروطها العادية والعادلة، منوهة ببعض الاجتهادات القضائية.
وفيما يخص التعليم عن بعد، سجلت الهيئة انعدام تكافؤ الفرص بين تلاميذ العالم القروي والحضري، مما ساهم في حرمان جل تلاميذ فرعيات ومركزيات العالم القروي من متابعة دراستهم، “علما أن ثلث المقرر مازال لم يدرس، وقد قامت الوزارة بتوزيع كراسات للابتدائي في العالم القروي لاستدراك الخلل، وهي العملية التي بشهادة عدد من رجال الميدان لا ينتظر منها تحقيق الشيء الكثير مما فات التلاميذ”.
وخلصت الهيئة، بناء على عمل ميداني، إلى أن متابعة التلاميذ للدروس عن بعد لم يتجاوز العدد 4 و15 تلميذا، نظرا للإكراهات العديدة التي واجهت الأساتذة في التواصل مع التلاميذ، منها انعدام شبكة الأنترنت وكذا الأجهزة الإلكترونية أو هواتف بها برامج، وكذلك عدم تواجد شخص بالبيت يساعد التلاميذ، خاصة الصغار منهم، على التعامل مع الهاتف إن وجد.
كما سجل التقرير إصرار مؤسسات التعليم الخصوصي على إجبار الأسر على تأدية مستحقات شهور الحجر المنزلي، بما في ذلك خدمات لم يستفيد منها التلاميذ، من بينها الإطعام المدرسي والنقل والتأمين.
التقرير الحقوقي استعرض إقدام شركات للاتصالات على حرمان زبائنها من خدمات الأنترنت والهاتف في عز أزمة جائحة “كورونا”، وارتفاع فواتير الماء والكهرباء في فترة الحجر الصحي.
الوثيقة استعرضت ملف المغاربة العالقين بالخارج، ومشاكل القطاع السياحي والتأثيرات الاقتصادية للجائحة، والجهود الحكومية لاحتواء الوضع، منها إنشاء “لجنة اليقظة الاقتصادية”، وإحداث صندوق مالي بمبلغ مليار دولار للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، والتخفيف من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة.
كما سجلت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بايجابية تعليق جميع الإلتزامات بالنفقات وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة الحسابات الخصوصية للخزينة والمؤسسات العمومية، غير أنها سجلت عدم التزام الأبناك بتأجيل سداد القروض البنكية لثلاثة أشهر دون زيادة الفوائد.
كما تتابع الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التقارير الصادرة عن اللجنة “الاستقصائية الاقتصادية، وكذا منع التوظيف في القطاع العام، ما عدا قطاعي الأمن والصحة، كتدبير إضافي في معالجة أزمة فيروس كورونا.
وعبرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان عن تخوفها من أن المئات من المقاولات ستعلن عن إفلاسها، وأن العديد من العمال الذين يأخذون الدعم من الضمان الاجتماعي سوف لن تسمح لهم بعض المقاولات والشركات التي يشتغلون لديها بالعودة إلى عملهم نظرا للركود والأزمة الخانقة التي تمر بها.
ونبه التقرير إلى أن الاعتماد على مختبرين للتحاليل الطبية لمدة طويلة بالرباط والدار البيضاء شكل عائقا أمام الكشف المبكر عن الحاملين للفيروس وحصره، وظلت العملية تسير ببطء، كما أن مدة نتيجة التحليل كانت تستغرق 48 ساعة، قبل أن يتم الترخيص لحوالي 24 مستشفى لإجراء التحاليل المخبرية، بالإضافة إلى المختبرات المتنقلة، موردا أن النتيجة هي أن نسبة الأشخاص المشمولين بالتحاليل المخبرية كانت ضعيفة جدا، وأن أعداد الإصابات كانت ما بين 80 و140 بمعدل يومي تقريبا.
واسترسل التقرير قائلا: “هكذا نجد أن الحكومة ولأكثر من ثلاثة شهور بالكاد وصل عدد الحالات المستبعدة منذ بدء تفشي الوباء بالمملكة إلى 380 ألفا و532 حالة منذ 15 من مارس إلى حدود 12/06/2020، وهي نسبة ضعيفة جدا ولا تقارن بأقل دولة، فمثلا تركيا كانت تجري أكثر من مائة ألف فحص يوميا”.
وشدد التقرير على أن “الحكومة تعاملت مع جميع الجهات والأقاليم على مستوى واحد، وهذا أكبر خطأ، لأن عددا من الجهات لم يكن من الضروري أن تكون ضمن الحجر الصحي، وكان من المفروض أن لا تتعطل المصالح الاقتصادية بها، وهذا كان معمولا به في أغلب الدول حتى التي عرفت نسبة عالية من الوفيات كإيطاليا”.