يرصد تقرير جديد صعوبات جمة يعيشها مجتمع المثليين بالمغرب، من تجريم قانوني، واستهداف مجتمعي، وتشهير، قاد مغربيا إلى الانتحار في السنة الماضية 2020، وشرد آخرين، وطردهم من مقرات عملهم، وأحدث شرخا بينهم وبينهم أسرهم.

جاء هذا في تقرير أعدته مجموعة “نسويات” عن وضعية مجتمع الميم/عين في المغرب سنة 2020، الذي يجمع “مثليات ومثليي الجنس، ومزدوجي التوجه الجنسي، والعابرين، والكوير، وثنائيي الجنس”.

وتهتم مجموعة نسويات، التي أسستها مثليات بالمغرب، من أجل “مكافحة جميع أشكال العنف والتمييز على أساس الميول الجنسي والهوية الجندرية، والتعبير المجتمعي ضد المجتمعات المهمشة، مثل: عاملات الجنس، وثنائيي الجنس، والنساء الفقيرات، ومجتمعات الكوير والعابرات جندريا في المغرب”.

وأعدت نسويات هذا التقرير الجديد، الذي نشر باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية، بتعاون مع مجموعات مدافعة عن حقوق المثليين بالمغرب؛ مثل: “أطياف”، و”أقليات”، “وفيق طيري”، و”سقف”، و”مجموعة العمل النسوية”، و”قصبة تال فين”، و”لقاءات”، و”تانيت”.

وعنون هذا التقرير بـ”لوبيا في زمن كورونا”، ويشرح اختياره هذا بقول: “مصطلح “لوبيا” (فاصولياء) يشير إلى عضو/ة من مجتمع الكوير قبل حملة التشهير في عام 2020، واستخدم هذا المصطلح غالبا داخل مجتمع المثليين، وكان غريبا على السياق الاجتماعي الأوسع. ومع تصاعد العنف وخطاب الكراهية الذي يستهدف مجتمع الميم/عين+ المغربي (…) بدأ المجتمع المغربي الأوسع باستخدام مصطلح “لوبية” كسُبّة”، ولهذا “قرر بعض أعضاء مجتمع الكوير المغربي التطبيع مع هذا المصطلح، وبدؤوا في استخدامه كوسيلة للإشارة إلى هويتهم وهويتهن بفخر، على غرار مسار كلمة “كوير” في الولايات المتحدة الأمريكية”.

ويذكّر التقرير بأول دستور مغربي بعد الاستقلال، وتجريمه العلاقات المثلية بالتراضي، في فصله 489، واستخدام مواد أخرى في القانون الجنائي “لغة غامضة وغير واضحة”، تسمح باعتقال العديد من أفراد مجتمع الميم/عين، مثل الفصلين 490 و491.

وعن “السياق الاجتماعي”، يسجل التقرير أن المجتمع المغربي “لا يزال محافظا للغاية، ولا سيما فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالحريات الفردية داخل المجتمع”، ويضيف التقرير: “إضافة إلى العنف المؤسساتي والقانوني” يواجهون “أشكالا أخرى من العنف، من طرف المجتمع والأُسر”، يأخذ صورا عديدة “نفسية وجسدية ومجتمعية”، يمكن أن تكون: “إهانات، ابتزازا عاطفيا، اعتداء لفظيا، تهديدات، ترهيبا، سيطرة، تحرشا، مطاردة، إذلالا، تشهيرا”.

ويورد التقرير نفسه أن هذه المجموعات “تتعرض في معظم الأحيان للعنف في الأماكن العامة، خاصة الأشخاص العابرين والعابرات، والأشخاص الذين لا يتوافق تعبيرهم الجنسي مع المعايير المجتمعية”، كما يتعرض “العديدون للمضايقة والتخويف وسوء المعاملة، وحتى الفصل من وظائفهم عندما يشك رئيسهم أو يكتَشف توجههم الجنسي أو هويتهم الجندرية”.

يمكن أن تزوج المثليات قسرا أو تتخلى عنهن أسرهن، حَسَب التقرير نفسه، مما يقود العديدات منهن إلى التشرد. كما يشجع القانون الجنائي المغربي، خاصة المادة 489، “العنف المؤسساتي ضد مجتمع الميم/عين+ وغياب حماية الدولة؛ وهو ما يمكن أن يصير عنفا جسديا ونفسيا، عندما تتعامل السلطات مع حالات الأشخاص المحتجزين، أو المقبوض عليهم، بسبب هويتهم وتعبيرهم الجندري أو ميولهم الجنسي”.

وعلى الرغم من دستور 2011 ينص على حق كل فرد في الحياة والحق في الأمن والأمان، يقول التقرير، فإن “الحكومة لا تزال تفشل في ضمان سلامة وأمن جميع مواطنيها من العنف (…) بغض النظر عن حياتهم الجنسية”. واستحضرت الوثيقة في هذا السياق دراسة لمنظمة “أقليات” قالت إن 14 في المائة فقط ممن كانوا ضحايا العنف، من هذه المجموعات، قد قدموا شكوى، “بسبب الخوف من الانتقام، والاعتقال عند تقديمها، والوعي بالظلم النظامي، وخرق السرية، وعدم الثقة في السلطات المحلية، وبسبب الخوف من الانتقام، أو الفضيحة، أو التأثير على سمعة الأسرة”.

ويذكر التقرير أن فترة الحجر الصحي كانت “وقتا عصيبا بشكل خاص على مجتمع الكوير في المغرب”، مضيفة: “حملة التشهير كانت مستمرة خلال الحجر الصحي، حيث حمل العديدون تطبيقات المواعدة الخاصة بالكوير، من أجل التعرف على ميولات الآخرين، وفي معظم الأحيان نشرت الصور الخاصة على مجموعات التواصل الاجتماعي (خاصة فيسبوك)، وكانت الشرطة تضطهد ضحايا حملة التشهير بدلا من مساعدتهم، والسفر بين المدن كان محدودا جدا، مما أعاق قدرة “الكوير” على مغادرة البيئات السامة التي علقوا بها”.

ووضح التقرير أن كثيرا من العنف الذي عانى منه مجتمع المثليين المغاربة خلال جائحة “كوفيد-19” كان سببه “حملة تشهير من قبل امرأة مغربية عابرة جندريا”، بعدما دعت جمهورها الذي يتجاوز 600 ألف متابع على موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام” إلى تنزيل تطبيقات للمواعدة والتعارف، وإنشاء ملفات تعريف مزيفة، للتعرف على من حولهم من مثليين، مما قاد إلى الكشف عن العديد من المثليين، ونشر معلوماتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، ونتج عنه ابتزاز عدد من الضحايا، وطردهم من وظائفهم، وتهديدهم وطردهم من منازلهم، ووفاة شخص على الأقل، من الضحايا، منتحرا.

ويتطرق التقرير، أيضا، إلى “العنف المجتمعي من وسائل الإعلام” مقدما مثالا بمثلي قدم شكاية حول شبهة اعتداء جنسي عليه من طرف صحافي، ليصبح “هدفا لحملات التشهير”.

وفي توصيات التقرير، دعا المجتمع المدني إلى توثيق تاريخ وحالات مجتمع الميم عين، ورصد حالات العنف والتمييز ضد هذه المجموعات، قصد “إنشاء أرشيف مسجل بالكامل، يمكن من مناصرة المغاربة المثليين محليا ودوليا”.

كما يدعو التقرير إلى “وقف القوانين التمييزية التي طُبّقت منذ الفترة الاستعمارية”، مسجلا استمرار افتقار مجتمع المثليين إلى “الخدمات المباشرة” المتعلقة بـ”الصحة العقلية والجسدية، فضلا عن موارد السلامة الرقمية، خاصة للناجين من خطاب الكراهية والعنف، ولزيادة الوعي به”.

hespress.com