مازالت الجمعيات الحقوقية “المزعجة للسلطة” في المغرب تشتكي من التضييق عليها، من خلال حرمانها من وصولات الإيداع القانوني المؤقتة أو النهائية، وتَعتبر ذلك سعيا من طرف السلطات إلى محاصرتها وتضييق نطاق تحركها وتحجيم إشعاعها وتأثيرها في المجتمع.

مع بداية العُشرية الثانية من الألفية الحالية، شهد منسوب الحرية في المجال الحقوقي انتعاشا، بعد الحراكات الاجتماعية التي شهدتها المنطقة ومنها المغرب، لكن سرعان ما عاد التشنّج ليَسم علاقة السلطات مع الجمعيات الحقوقية بعد سنوات قليلة، وتحديدا في 2014.

في جلسة عمومية بمجلس النواب يوم 17 يوليوز 2018، وجّه وزير الداخلية الأسبق محمد حصاد اتهامات مباشرة لبعض الجمعيات الحقوقية بـ”خدمة أجندات أجنبية”، مسمّيا إياها “الجمعيات والكيانات الدخيلة”، كما اتهمها بتلقي الدعم المالي من جهات خارجية.

الاتهامات التي وجهها وزير الداخلية إلى الجمعيات الحقوقية المنتقدة لسياسات الدولة ردت عليها الجمعيات المعنية بانتقادات لاذعة، إذ وصفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تصريحات حصاد بـ”الحملة الشعواء والمضللة ضد الحركة الحقوقية المغربية”.

ومع اشتداد التوتر بين وزارة الداخلية والجمعيات الحقوقية، هددت هذه الأخيرة في 2015 باللجوء إلى منظمة الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، احتجاجا على “الممارسات المنافية لحريات التجمع والتعبير والحق في التنظيم الصادرة عن الحكومات وعن السلطات العمومية”.

وبعد مرور خمس سنوات على هذا التشنّج الذي أعقب مرحلة الانفتاح الذي تسرّب من كوّة حراك “حركة 20 فبراير”، مازالت الجمعيات الحقوقية تشتكي من تعرضها للتضييق من طرف السلطات العمومية.

الهيئة المغربية لحقوق الإنسان وجهت قبل ثلاثة أيام رسالة إلى رئيس الحكومة، قالت فيها إنها وضعت ملفها القانوني لدى ولاية جهة الرباط-سلا-القنيطرة منذ شهر نونبر 2019، لكنها لم تتوصل، إلى حد الآن، حتى بوصل الإيداع المؤقت، كما جاء في الوثيقة.

وقام مسؤولو الهيئة الحقوقية المذكورة بمراسلة الحكومة وعقد لقاءات مع الجهات المعنية، منها وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قصد التدخل، وفق اختصاصاتها الدستورية، لحث المسؤولين على تطبيق الفصل الخامس من القانون المنظم للجمعيات، إلا أنها لم تتوصل بعد بوصل الإيداع المؤقت.

وذهبت خديجة الرياضي، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى أن “الدولة تخرق القانون برفضها تسليم وصولات الإيداع القانوني للجمعيات الحقوقية”، معتبرة أن “التضييق على هذه الجمعيات لا ينحصر فقط في حرمانها من وصولات الإيداع القانوني، بل منعها من استغلال القاعات العمومية، ومن التجمع والتظاهر”.

وفيما تتهم الدولة، كما جاء على لسان وزير الداخلية الأسبق محمد حصاد، الجمعيات الحقوقية بخدمة أجندات أجنبية، قالت الرياضي في تصريح لهسبريس: “إذا كانت هناك هيئات حقوقية تشكل خطرا فهناك مساطر قانونية يمكن اللجوء إليها، والإدلاء بالحجج والأدلة التي تؤكد ذلك، لكنّ هذه الحجج غير متوفرة أبدا”.

وذهبت الرياضي إلى القول إن القضاء كان يحكم لصالح الجمعيات الحقوقية التي ترفع دعاوى منعها من وصولات الإيداع القانوني في الطور الابتدائي، لكن في مرحلة الاستئناف يُحكم ضدها “بأحكام مسيّسة، تقوم على تأويل غير سليم للقانون”، مردفة: “يعتبرون أن الاجتماعات التي يعقدها أعضاء الجمعيات تجمعات أو تجمهر غير مرخص، في حين أن هذه الاجتماعات الداخلية قانونية”.

وترى الرياضي أن استمرار التضييق على الجمعيات الحقوقية، بينما يسعى المغرب إلى تحسين سمعته في مجال حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، “يعكس الخطاب المزدوج للدولة بين ما هو موجود على أرض الواقع وبين الخطابات التي تُلقى في المحافل الدولية”.

hespress.com