منذ اثنتين وعشرين سنة، تشتغل جمعية “الجسر” في المجال التربوي، من خلال مجموعة من الأنشطة كترميم المدارس العمومية، وتجهيزها بالمعدّات والمكتبات، والقيام بأنشطة تربوية لفائدة التلاميذ في عدد من مدن المملكة.

وفي سنة 2006 ارتأت الجمعية أن تكون جسرا بين اليافعين والشباب المنقطعين عن الدراسة وبين عالم الشغل، عبر تمكينهم من تكوين مكثف لمدة سنة، يحصلون بعده على دبلوم وثلاثة أشهر من التدريب في شركات كبرى.

بدأت هذه الفكرة مع إقبال المغاربة على شراء الأجهزة الإلكترونية، خاصة الحواسيب والهواتف المحمولة، حيث قرر مسؤولو جمعية “الجسر” أن يجعلوا من النفايات الإلكترونية مصدرا لأمل شباب انقطعوا عن الدراسة في مستقبل أفضل.

إنقاذ من الضياع

تم تكوين الشباب في مجال إصلاح الأجهزة الإلكترونية وتفكيكها من أجل إعادة تدويرها داخل مركز “Greenchip”، التابع لجمعية “الجسر”، التي ضربت بهذا العمل عصفورين بحجر واحد، إذ فضلا عن تمكين الشباب من تكوين متين، فإن الأجهزة الإلكترونية، خاصة الحواسيب، التي يُصلحونها، يتم التبرع بها للمدارس العمومية والجمعيات.

يتولى فريق من جمعية “الجسر” جمع الأجهزة الإلكترونية المعطّلة، وبعد استقدامها إلى المركز يتم فحصها وفرْزها، فيُصلَح منها ما هو قابل للإصلاح، ويتم تفكيك أجزاء الأجهزة غير القابلة للإصلاح بهدف إعادة تدويرها.

وتتولى القيام بعملية إعادة التدوير شركة “مناجم”، التي تتوفر على المعدّات والآليات التي بمقدورها أن تقضي على خطر النفايات الإلكترونية، بعد أن تُستخرج منها المعادن القابلة لإعادة الاستعمال في صناعات أخرى.

في تصريح لهسبريس، قالت وفاء برني مزوار، رئيسة جمعية “الجسر”: “لقد تمكنّا من تكوين أزيد من ستمائة شاب كانوا منقطعين عن الدراسة وجاؤوا إلى هنا فحصلوا على دبلومات معترف بها من طرف الدولة”، مضيفة أن أغلب المتخرجين من المركز يتمكنون من الاندماج في سوق الشغل، وآخرون ينشئون مقاولات خاصة بهم.

من جهته، قال أمين خيري، المسؤول عن ورشة إصلاح وتفكيك الأجهزة الإلكترونية بمركز”Greenchip”، إن الشباب المتخرجين من المركز، بعد سنة من التكوين، “يغادرون وهم واثقون في أنفسهم، لأنهم يملكون مهنة في أيديهم، ويملكون مؤهلات تجعلهم قادرين على إيجاد فرصة عمل”.

وإذا كانت جمعية “الجسر” تمكن الشباب الذين تكوّنهم من الاندماج في سوق الشغل، فإنها، بهذا العمل، لا تنقذهم فقط من البطالة، بل تنقذهم من الضياع الذي يتربص بكثير من الشباب المنقطعين عن الدراسة.

“نعمل أولا على إعادة منح الثقة لهؤلاء الشباب في أنفسهم بعد رسوبهم في الدراسة لأسباب مختلفة، وكل عام يعيد عدد منهم اجتياز امتحان الباكالوريا وينجحون فيه، وهذا مصدر سرور بالنسبة إلينا”، تقول مزوار، مضيفة “حين يرسب الشاب في دراسته يفقد الأمل، ونحن نحاول أن نعيد إليهم هذا الأمل”.

فرصة ثانية

ينقسم التكوين، الذي يستفيد منه المتدربون بمقر جمعية “الجسر”، إلى تكوين تطبيقي بنسبة 80 في المائة، وتكوين نظري بنسبة 20 في المائة، غير أن الإفادة التي يحصلون عليها لا تقتصر فقط على التكوين في مجال الإلكترونيات، بل يتعلمون أيضا اللغات، ويستفيدون من أنشطة تربوية وثقافية متنوعة.

علاقة بذلك، تستقبل الجمعية في مقرها أطفال مدارس أخرى من أجل الاطلاع على ما يقوم به زملاؤهم “الكبار” الذين يتكوّنون في الجمعية؛ وتقول مزوار إن هؤلاء الشباب ينقلون تجاربهم إلى الأطفال الصغار، من أجل تحفيزهم على الاجتهاد في دراستهم، مشيرة إلى أن الجمعية تقدم أيضا تكوينات في مجالات أخرى، مثل الفندقة والميكانيك والمعلوميات وغيرها، حسب اختيار كل متعلم.

ويتميز التكوين داخل الأقسام، التي يتعلم فيها المتدربون بمقر جمعية “الجسر”، بابتعاده عن الطابع الكلاسيكي للتعلم، حيث لا يجلس المتعلمون في صفوف منتظمة واحدا خلف آخر، بل يجلسون متحلقين حول طاولة، والهدف من هذه العملية هو تشجيعهم على العمل والتفكير الجماعي.

تقول مزوار إن اليافعين والشباب المنقطعين عن الدراسة الذين يأتون إلى الجمعية، يتمتع كل واحد منهم بشخصية فريدة، مما يستدعي التعامل مع كل حالة على حدة، مشيرة إلى أن المشروع الذي تشتغل عليه الجمعية مؤخرا يحمل اسم “الفرصة الثانية”، لأنه يمنح هؤلاء اليافعين والشباب فرصة ثانية في الحياة بعد الفشل الدراسي.

hespress.com