السبت 23 ماي 2020 – 04:01
أوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية تعيشها فئات واسعة من المواطنين في ظلّ الأزمة العالمية الرّاهنة، تنقل مشاهد منها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تحدّث عن تردي الأحوال المعيشية في جهات من المغرب بصورة تسيء للكرامة الإنسانية، وارتفاع في ظاهرة التسوّل، ومعاناة مجموعة من الأسر المحتاجة مع “تعقيد المساطر الإلكترونية”.
وذكرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في بيان لها أنّ هناك اعتمادا على “الأسلوب السلطوي المبني على التعسف والشطط” في تدبير المساعدات، وقدّمت مثالا بما وقع في مجموعة من القرى والمناطق، من بينها “بوميا” بإقليم ميدلت، و”سوق السبت أولاد النمة” إقليم الفقيه بنصالح، و”بني تجيت” التابعة لإقليم فكيك، التي اعتقل فيها شاب إثرَ احتجاجات الساكنة ضد الممارسات التمييزية المنتهجة من قبل السلطات المحلية في توزيع الإعانات على الفقراء المتضررين.
كما أحصت الجمعية مجموعة من القرى التي شهدت احتجاجات حاملين لبطاقة “راميد” على “السلوك الاقصائي” من الدعم المادي، منها “دوار واولوت” وجماعة زكزل، واحتجاجات سكان “العطاوية” بإقليم قلعة السراغنة إثرَ وفاة مواطن كان ينتظر دوره للحصول على نصيب من توزيع المواد الغذائية، وسكان منطقة “أكمير بأيت عباس” في إقليم أزيلال لعدم توصلهم بالدعم المالي، وأشخاص ذوي إعاقة في “قرية ولماس” عَقِبَ استبعادهم من حقهم في الدعم، ومنع أحد المتضامنين معهم من طرف قائد قيادة ولماس من توزيع بعض المواد الغذائية، فضلا عن ما سمي بـ”مسيرة الجياع” التي سار فيها سكان قرية “الزحيليكا” بإقليم الخميسات في اتجاه مقر العمالة على مسافة تفوق 100 كلم.
وتحدّثت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن “تعقيد المساطر الإلكترونية” الخاصّة بالحصول على دعم الفئات الفقيرة والهشّة المتضرّرة من الجائحة، وغياب المصاحبة الإدارية اللازمة، مع “غموض في المساطر التي تتبعها المصالح المختصة في معالجة الملفات”؛ وهو ما نتج عنه “رفض الكثير من الطلبات دون أي تعليل، وحرمان المعوزين من التوصل بحقهم في الدعم، والحكم على العديد من هؤلاء بامتهان التسول واستجداء العطاء”.
وبالنسبة لظاهرة التسول، سجّلت الجمعية تزايدها “بشكل مخيف وتضاعف أعداد ممارسيها بنسب مقلقة” بشكل واضح “أمام أبواب المحلات التجارية وفي الأزقة والطرقات”، مشيرة على أنها “أصبحت تشمل جميع الفئات والأعمار، وتهم كلا من النساء والأطفال والشباب والشيوخ”.
وقال عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنّ “تعقيد المسطرة، الذي يستشعَر خاصّة في العالَم القرويّ، يتمثّل في الحاجة إلى هاتف وأن تكون قادرا على قراءة الرسائل، مع العلم أن الكثير من المعنيين بالدّعم غير مُتمَدرسين، في حين سبق أن تحدّث ملك البلاد في خطاب له عن وجود 12 مليونا من أصحاب الراميد أو الذين تُعرَف وضعيّتهم”، وتساءل: “لِمَ إذن نحتاج الرسائل والإنترنت التي كان بالإمكان استعمالها لو كان الشّعب كلّه متمدرِسا وتغيب فيه الأمية الإلكترونية؟”.
وزاد غالي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أنّ “جميع أنواع البطالة المقنّعة في المغرب قد نُزِعَ عنها القناع خلال الجائحة، وهو ما نتج عنه الملايين من الناس الذين لا يجدون ما يأكلون، والناس الذين أرسلوا رسائل طلبا للدّعم ولم يتوصّلوا بشيء”، ثم أضاف مفصّلا في مدى تلبية مبلغ الدّعم ذاته لحاجيات الأسرة في وضعية هشة، بالتساؤل: “كم سيبقى لأسرة من أربعة أشخاص من دعم بقيمة 1000 درهم مع مطالب الأكل والشرب والإنترنت، ومعدّل وصفة طبية يقدّر في الشهر بـ250 درهما زائد قيمة استشارة الطبيب؟”.
ويرى الفاعل الحقوقي أنّنا “نحتاج نقاشا عميقا في مسألة الفقر”، وتساءل: “أين السّجل الاجتماعي الذي كان سيعطينا صورة عن الفقر؟ واستحضر المبادرة الوطنية للتّنمية البشرية التي كان هدفها خفض عدد الفقراء، ليواصل تساؤله: “أليس هذا هو وقت تقييمها تقييما حقيقيا حول كم مليارا صُرِفَ وكم أنزل من نسبة الفقر؟ ولِمَ إلى حدود اليوم ليست لنا بالمغرب استراتيجية لمحاربة الفقر؟ هل الأمر مرتبط بمجموعة من النقط التي فيها محاسبة حقيقية للسياسة الحكومية ولم ترد الحكومة السّير فيها ولهذا عُوِّضَت بمبادرة للتنمية البشرية دون تقييم واضح؟”.
وسجّل رئيس الجمعية الحقوقية الأبرز في المغرب طغيان الطابع الحزبي في بعض القرى عند توزيع المساعدات، باعتبار من صوّت ومن لم يصوت لصالح منتخَبين، كما طغت عليها العلاقة بين “المقدّم” والمواطنين، علما أنّ “المقدّم” قد صار خلال جائحة “كورونا” قطب رحى المغرب بأكمله، فهو من يعطي تصريح الخروج، ويحدّد الفقير وغير الفقير، ويتحكّم في كلّ شيء، مع العلم أنّ “العلاقة بين المقدّمين والمواطنين متوتّرة”.
وتطرح هذه الوضعية، وفق عزيز غالي، مشكل “اختزال مؤسّسات الدّولة في شخص”؛ ففي حين “كنّا نتصارع من أجل بناء المؤسَّسات، وجدنا أنّ المقدّم يقرّر في كلّ شيء”، فتغيب ميكانيزمات المراقبة، بينما كان يجب الاستفادة من تجربة مجموعة من الدّول، بتثبيت أسماء المستفيدين في جميع الإدارات والمقطعات، ليتابعها المواطنون الذين يعرفون من يستحقّ ومن لا يستحقّ، ويطعنوا في الحالات التي يرون فيها زبونية أو تغيرا في الوضع الاجتماعي.
تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد دعت إلى “التدخل العاجل وتحمل المسؤولية من طرف كل المؤسسات ذات الصلة بتدبير صناديق المالية العمومية، وتحديد أولويات صرفها بما يضمن حق الطبقة الفقيرة والهشة من نصيبها وأولويتها في صناديق الدعم وحقها في العيش الكريم”.
كما دعت إلى “إيجاد حل عاجل لمحاصرة انتشار ظاهرة التسول، التي تثير الانتباه ويستحيل إخفاؤها والتنكر لحجمها؛ بتقديم الدعم والواجب والضروري بما يحفظ كرامة الإنسان عبر إقامة آليات شفافة لتقديم المساعدات لمن هم في حاجة إليها، مع اعتماد معيار الاستحقاق بناء على الحاجة، واستبعاد منطق الزبونية والمحسوبية والقرابة وحتى الانتقام في بعض الحالات، بوصفه أسلوبا شائعا يشتكي منه المتضررون في كل مناطق البلاد”.
وأوصت الجمعية في بيان مكتبها الوطني بـ”اعتماد مساطر مستعجلة لتسوية الملفات العالقة، والنظر في الطلبات المرفوضة لحاملي بطائق الراميد، مع العمل على إخبار المعنيين بمصير طلباتهم داخل آجال محددة ومعقولة، وتقديم المساعدات الإدارية لهم، من خلال تيسير وتسهيل استعمالهم للوسائط الالكترونية، وتحسين البنية الاستقبالية بشكل يليق بكرامتهم”.
كما دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى “تشديد مراقبة احترام إجراءات السلامة الصحية” من أجل “منع انتشار الجائحة”، و”تفعيل المساطر القانونية اللازمة ضد المقاولات المخالِفة لقوانين الشغل، وخاصة تلك المتعلقة بالتهرب من التصريح بجميع العمال والعاملات لدى صندوق الضمان الاجتماعي، وتمكين المتضررين والمتضرّرات من الاستفادة من مستحقاتهم بأثر رجعي (…) وربط الامتيازات الضريبية بمدى احترام القوانين ونفاذها”.