هل يتجاوز المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج صلاحياته بردوده المستمرة، التي لا يحضر في بعضها واجب التحفظ؟ أم أن الأمر يدخل في إطار تقديم معلومات لإعادة تأطير النقاش العمومي المرتبط بمسؤوليته الإدارية؟

تكرر هذا السؤال مع تجدد خرجات المندوب محمد صالح التامك في ملفات تعرف نقاشا واسعا، مثل ملف معتقلي “حراك الريف”، وأخرى لا تزال معروضة على القضاء مثل ملفي الصحافيين عمر الراضي الذي أوقف إضرابه عن الطعام، وسليمان الريسوني الذي يستمر في إضراب عن الطعام.

ومن بين المحطات البارزة في التفاعل مع خرجات المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج رد فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب الذي وصف بلاغا له بكونه “كعادته (…) يفتقد للمهنية وللغة الرصينة التي يتعين أن تطبع عمل المؤسسات، يتطاول فيه على مؤسسة البرلمان وعلى نواب الأمة الذين خول لهم الدستور القيام بمهامهم الرقابية”.

وكانت آخر خرجات المندوب محمد صالح التامك ردا على مقال للأكاديمي جون واتربوري، قلل فيه من مهنية الصحافيين المعتقلين، وتساءل فيه “هل يعتبر من يأكل العسل والتمر ويستهلك المشروبات المنشطة مضربا عن الطعام؟”، متهما الأكاديمي الأمريكي بـ”الازدراء غير المبرر” للقضاء المغربي.

وسبق أن تمسك التامك بحقه في الرد، في نونبر 2019، جوابا على تعقيب ممثل الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين الذي انتقد “خرجاته الكثيرة” واعتبر أنها “تفقد المؤسسة هيبتها”، قائلا: “أتواصل وأرد حيتْ كلشي كيكتب على السجون، وكاناكل العصا، وإذا سكت ستنتشر الشائعات والمغالطات على نطاق أوسع”.

وفي الجلسة ذاتها، سبق أن دافع المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، عن حق التامك في الرد على منتقديه، قائلا: “كتبقى فقط مسألة اللغة اللي يمكن يكون فيها نقاش؛ ولكن من حقه الرد والتوضيح، وهو يرى التقارير والدعايات التي تسيء إلى مؤسسة المندوبية العامة لإدارة السجون، وأي واحد فينا إذا رأى أشياء غير صحيحة عليه أن يوضحها”.

في هذا السياق، يقول خالد البكاري، أستاذ جامعي وناشط حقوقي، إن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج “يتجاوز صلاحياته، من الناحية القانونية ومن الناحية الأخلاقية أيضا”.

ويزيد البكاري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “من الناحية القانونية، هناك وظائف سامية حتى كتابة الرأي فيها تتطلب أخذ إذن المسؤول المباشر، والمسؤول المباشر عن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج هو رئيس الحكومة، وهناك من لهم مناصب أقل منه ويتطلب منصبهم أخذ إذن قبل الرد. ومن الناحية الأخلاقية والقانونية هو مطوق بواجب التحفظ بفعل حساسية منصبه”.

ويضيف الحقوقي: “أيضا هناك أناس، فيما قبل مع معتقلي حراك الريف، والآن مع سليمان الريسوني وعمر الراضي، هم موضوعون في الاحتجاز، وهو مشرف على المؤسسة المحتجزِة. والمفروض فيه أن يقف عند مهامه. بينما هو يقدم مواقف ضد الناس المحتجزين عنده، وهنا نطرح سؤال: هل هم في أمان داخل السجن، ما دام المشرف عليه قد عبر بوضوح عن عدائه لهم، لا عن خصومته فقط معهم؟ فلم يعد الآن مؤتمَنا لا على حياتهم، ولا عن سلامتهم الجسدية، ولا عن أن توفر لهم الظروف التي يكفلها لهم القانون والمواثيق الدولية”.

ويقول البكاري إن التامك في ردوده “يتقمص أدوارا يخولها القانون لمؤسسات أخرى، فيقوم بأدوار النيابة العامة لأنه صار يوجه اتهامات، ويقوم بأدوار المؤسسة الاستخباراتية بحديثه عن أناس يتصلون بأناس في الخارج ولهم أجندات خارجية”.

هذا يعني، وفق المصرح، أن “بقاء هذا السيد على رأس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ليس فقط لا يخدم مصلحة الدولة وصورتها، بل يضرب حتى مصداقية رئاسة الحكومة أيضا؛ فقد سبق أن تجاوز حتى اختصاصات رئاسة الحكومة، ففي وقت طرح فيه نواب من البرلمان سؤالا، والبرلمان يراقب الحكومة، وكان رئيس الحكومة هو من يجب أن يجيب ويقدم المعلومات، بينما هو من أجاب على البرلمان في تجاوز حتى للمسؤول المباشر عنه”.

ويجمل البكاري قائلا في ختام تصريحه: “إذا كان هناك عبث قانوني، وعبث دستوري، وتبخيس للمؤسسات، وهي التهم التي تقولها الدولة في وجه من لهم رأي مخالف، فلا أعتقد أن هناك شيئا يماثل تبخيس المؤسسات الذي يقوم به التامك”.

من جهته، يقول محمد الهيني، محام وقاض سابق، إن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج “يتميز بالجرأة والشجاعة”، و”الحس الوطني العالي الذي عنده يجعله يتجاوز واجب التحفظ”.

ويزيد الهيني في تصريح لهسبريس: “بالنسبة لي يجب أن يكون للمسؤول حس وطني، وعندما يرى بعض الخرجات التي فيها إساءة إلى الوطن وأكاذيب يجب أن يفضحها”.

ويؤكد المحامي بهيئة تطوان والقاضي السابق أن خرجات التامك “لا تعتبر مخالفة لقواعد منصبه، بل هي تجاوز لقواعد تقليدية مرسخة من وقت بعيد”، وهو ما يؤيده المصرح.

ويضيف المتحدث ذاته: “للمندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج كل الصلاحية للتصرف في إطار الوظيفة الموكولة إليه، باستقلال. فللمندوب كامل الاستقلالية من الناحية القانونية لممارسة وظائفه والتعبير عن آرائه، ولا يمكن أن ينتظر موافقة رئيس الحكومة، فهذه أمور مرتبطة بالموظفين، أما هو فلا يمكن أن يحجر عليه، طالما أن آراءه لا تتعارض مع المصالح الأساسية للدولة”.

ويذكر المصرح “أننا لا يجب أن ننسى أن الرجل مناضل، ورأى المناضلين القدماء، ولأول مرة أرى مناضلا يشتكي من أحوال السجن، فالمناضلون كانوا يضحون، والسجن سجنٌ، وبالتالي ستدافع عن نفسك بالحقيقة والصراحة، لا بالكذب”.

ويجمل المحامي قائلا: “يبقى أن الرأي يناقش بالرأي، وعندما يأتي شخص غير مضرب عن الطعام ويقول: أنا مضرب عن الطعام، أو يقول: إن عائلتي لم تزرني وهو عائلته لم تأت… من الجيد أن يكون الوضوح والشفافية”.

hespress.com