خرق متواصل للتدابير الاحترازية والوقائية في مجموعة من الحواضر الكبرى للمملكة، طوال الفترة الماضية؛ ضمنها الدار البيضاء التي عرفت ارتفاعا مطردا لحالات الإصابة بفيروس “كورونا” المستجد، على الرغم من الحملات الدورية للسلطات المحلية، والبرامج التحسيسية عبر وسائل الإعلام الوطنية.

هذا الإصرار على عدم الالتزام بالتعليمات الصحية الصادرة عن الفعاليات المسؤولة أصبح يسائل المنظومة المجتمعية المغربية، بالنظر إلى تراجع منسوب الثقة في المؤسسات والتشكيك في منطلقات القرارات المركزية؛ وهو ما بدأ يظهر جليا في الآونة الأخيرة، بخلاف اللحمة الوطنية التي وسمت بداية الجائحة.

وفي هذا الصدد، قال محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن “عدم احترام التوجيهات الصحية في الحواضر الكبرى مرده إلى عاملين أساسيين؛ أولهما طبيعة البناء الشخصي للفرد، وثانيهما تدبير الظرفية”.

وأضاف بنزاكور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “بنية الشخصية المغربية تسهم في تزايد هذه الظاهرة، بسبب التذبذب الأسري بين الامتثال والعنف والوعي؛ ما يؤدي إلى ارتباك قرارات الشخص، نتيجة الوسط الذي نشأ فيه”.

وأوضح الباحث المغربي أن “ذلك الوسط الأسري يشجع على الشك في الغايات، والانسياق وراء الفكر القطيعي؛ ما يؤدي إلى عدم وضوح الرؤية، ومن ثمة يخلق هذا الوضع نوعا من البلبلة”، موردا أن “الطفل لا تتم تربيته على فهم روح الامتثال لأي قاعدة اجتماعية معينة”.

وتابع شارحا: “بالعكس، تلجأ الأسرة إلى العنف والتسلط؛ ما يدفع الطفل إلى البحث عن وسائل التحايل على القواعد العامة، لأنه لم يستوعب الغاية من إقرارها، فيظهر ذلك على شاكلة سلوكات اجتماعية غير منضبطة”.

وأكد محدثنا أن “الامتثال للقرارات العامة يكون بضغط من السلطة فقط”، مشددا على أن “هذه الأفكار تجد حاضنا لها في الأوساط الأسرية، ثم سرعان ما تنتقل إلى الأوساط المهنية في المجتمع”.

وأورد الجامعي المغربي أن “الإشكال الثاني مرتبط بكيفية تدبير الحكومة للأزمة، حيث كانت وحدة القرار في بداية الجائحة؛ ما يدفع الناس إلى الامتثال للقرارات المركزية، مع ما صاحب الأزمة من تخوف فجائي”.

واسترسل بالقول: “بعد ذلك، ظهر تذبذب كبير بشأن القرارات الوطنية، آخرها قرار إغلاق مجموعة من المدن؛ ما جعل كثيرين يشككون في السياسة، وعاد المغاربة من جديد إلى التشكيك في منطلقات وأهداف الفعل السياسي”.

وأبرز الباحث في علم النفس الاجتماعي أن “الأخطاء الفادحة في التواصل عززت عدم احترام المواطنين للتعليمات الصحية، حيث يسود خطاب تواصلي وحيد منذ بداية الأزمة؛ ما تسبب في ملل الناس، ورجوعهم إلى العادات الاجتماعية التقليدية قبل الحجر الصحي”.

وخلص بنزاكور إلى أن “تضافر العوامل المذكورة أدى إلى لامبالاة المواطنين، وانتشار الفكر الخرافي بخصوص وباء كورونا، بخلاف الوحدة المجتمعية التي عرفها المجتمع في بداية حالة الطوارئ الصحية في البلاد”.

hespress.com