بِدارجة متقنة أو متعثرة أحيانا، استهل وزراء ومواطنون إسرائيليون مسلسل الاقتراب الوجداني من المملكة؛ فعلى غير عادة دبلوماسية الدول الأجنبية، اختارت تل أبيب لوسطائها التحدث بلهجة حميمية قريبة من غالبية المغاربة.
وفي أولى الزيارات، خلق مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شباط، الحدث بكلامه الدارج أمام الملك محمد السادس، وخلال كلمته المذاعة للعموم، ثم تلاه عدة وزراء من أصول مغربية، تباحثوا ملفات مع نظرائهم من حكومة سعد الدين العثماني.
آخرهم كان هو عمر بيرتس، وزير الاقتصاد في إسرائيل، الذي تدارس قضايا مشتركة مع نظيره حفيظ العلمي، وباشر اللقاء بكلمة ترحيبية باللهجة الدراجة، وحديث عن مسقط رأسه مدينة أبي الجعد، وعن ذكرياته بالمغرب رفقة والديه المهاجرين صوب إسرائيل.
وعلى صفحة “إسرائيل بالعربية”، وهي نافذة الدولة العبرية على الجمهور المتعلم للغة العربية، عرض القائمون عليها فيديوهات لمغاربة مقيمين بإسرائيل يتحدثون فيها الدارجة بطلاقة، ويتذكرون مدن المغرب المتفرقة على التراب الوطني.
محمد المدلاوي، باحث في اللسانيات العامة والثقافة المغربية، قال إن مسألة حضور الثقافة المغربية المتنوعة بكل تجليّاتها اللغوية (حديث يومي، زجل، أمثال) والموسيقية (شعبي، أندلسي، غرناطي، أحواش) والطرازية/الرياشية (دواخل البيت، مطبخ، فستان/هندام…) لدى جماعات هجرة المغاربة اليهود أينما حلوا، ليست مجرد مسألة “صمود” إرادوي محض.
وأضاف المدلاوي، في تصريح لهسبريس، أنه “حضور لا يختلف عن حضور تلك الثقافة في صفوف سائر مغاربة العالم سوى من حيث قوّته بسبب كون القسم الأكبر من هجرة اليهود المغاربة قد تمّ إلى إسرائيل خاصة منذ البداية كأسر كاملة محتفظة بكل عاداتها، وتمّ عزلهم في مستوطنات خاصة، وفي ظروف سوسيو-اقتصادية قاسية كانوا يشعرون فيها بعزلة إثنية تَولّد عنها حسّ هوّياتي خاصّ”.
ومع الزمن، “حوّل هذا الشعور ما كان عاديا طبيعيا إلى رموز هوّياتية أصبحت تُشهَر كمقوّمات تأكيد للذات الفردية والجمعية في وسط كانت تطغى فيه أُحاديةُ الدمج الإثني واللغوي والقيّمي الخاصة بنموذج اليهود الأشكيناز (يهود أوروبا الشرقية)”، يردف المتحدث.
وبخصوص ما يشكّله كل ذلك اليوم من اندهاش، فمردّه، حسب المدلاوي، إلى أن المغاربة قد خضعوا منذ عقود عدة لنظير ممّا سبق ذكره، أي سردية أخرى وحيدة البعد في باب واقع التاريخ والمجتمع والسياسة والثقافة كان من نتائجها، بالنسبة لعدة أجيال، ضربٌ بالأسداد على أوجه كثيرة من أوجه ثقافة وتاريخ المجتمع المغربي.
ومن بينها وجه المكوّن اليهودي/العبري. و”لما اكتشف الناس مؤخرا لقطات من ذلك البُعد، أصابتهم دهشة/صدمة كبرى قد تكون لها تداعيات على كثير من “اليقينيات” الأخرى لتلك السردية القديمة، وحيدة البُعد، التي رسخها الإعلام والمدرسة والجامعة”، يختم المتحدث.