بينما يستمر الجدل الدائر حول إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب، بين داعم لهذا التوجه ورافض له، عالجت دراسة حديثة هذا الموضوع من الزاوية الدينية والقانونية، باستحضار عقوبة الإعدام في القانون الدولي القديم والقوانين الوضعية الحالية، وكذا حضورها في الديانات التوحيدية الثلاث (الإسلام، المسيحية، اليهودية).
واعتبرت الدراسة التي أنجزها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية بدعم من وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، انطلاقا من استقراء ما جاء في آيات القصاص الواردة في القرآن، أن عقوبة الإعدام “لا تتناسب مع التوجه العام للقرآن”.
وتوقفت الدراسة عند العقوبات التي وردت في الشريعة الإسلامية وفيها إقرار بعقوبة الإعدام، وفي مقدمتها العقوبات التي تهمّ القتل العمد، حيث اعتبرت أنه إذا تأكد أن هناك قتلا، بقضاء عادل، فإن الله أعطى لأهل المقتول أن يعفوا ويصفحوا عن القاتل، مفسّرة ذلك بأنه يعكس أن القرآن “اعتبر أن الصفح والعفو هو الأصل في حياة المسلم في مجتمعه”.
وذهب معدّو الدراسة، استنادا إلى بعض الآراء، إلى أن الآية: “يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى، الحُرُّ بالحرِّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عُفي له من أخيه شيء فاتِّباع بالمعروف وأذان إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم”، لا تعني قتْل القاتل، بل تتحدث عن ديّات القتلى بين القبائل المتحاربة.
وأضافت الدراسة أن “المقصود بالحرُّ بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، هو ديات القتلى من الأحرار والعبيد والنساء، فالقبيلة التي قُتل منها عبد عليها أن تطالب بدية العبد لا بدية الحر”، معتبرة أن الاستشهاد بالآية المذكورة كونها تنص على الإعدام “بعيد كل البعد عن سياق الآية إطلاقا”.
وأشارت الدراسة إلى أن فهم آية القصاص بأنه قتل القاتل، أي الإعدام، سيتولّد عنه حالات غير معروفة ستطرح إشكالا، مثلا ما حكم العبد عندما يقتل حرا، أو العكس، أو عندما يقتل الحر أنثى مستعبدة، أو العبد عندما يقتل أنثى حرة.
الوثيقة ذاتها خلُصت إلى أن “القصاص المكتوب على المسلمين خاص بديات القتلى وليس كما يعتقد الكثيرون أنه يخصّ قتل القاتل”، وأن آية القصاص “تخص ديات القتلى بين القبائل المتحاربة وليس الاقتصاص من القاتل بالإعدام”.
ووصفت الدراسة المعنونة بـ”من أجل إلغاء عقوبة الإعدام-مرافعة لانضمام المغرب إلى البروتوكول الاختياري الثاني المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام”، هذه العقوبة بـ”الحاطة بالكرامة الإنسانية”، داعية إلى توسيع دائرة النقاش قصد تأصيل المطالبة بالإلغاء وترسيخها في الثقافة الفقهية والحقوقية، والتفكير في العقوبات البديلة ومستلزماتها.