ترى ورقة بحثية أن ما عكسته “حركة النساء السلاليات” من إثبات لقدراتهن على “المقاومة والصمود والتعبئة والتنظيم، إلى تحدي علاقات القوة القائمة داخل الأسرة والمجتمع والنظام الأبوي المتجلي في القوامة”، نموذج يمكن استثماره في “تمكين النساء الأكثر ضعفا اقتصاديا واجتماعيا في المجتمع، للمطالبة بالمساواة في الإرث، والوصول إلى الأراضي الخاصة في المجالات التشريعية الأخرى، التي تتسم بالتمييز المباشر والواضح ضد المرأة”.
جاء هذا في ورقة سياسات لربيعة الناصري، وهي عضو مؤسسة للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات.
وتعود الورقة إلى إسهام “زخم الإصلاحات المتعلقة بحقوق المرأة في المغرب” في “ظهور حركة السلاليات بداية من عام 2007″، إذ شكلن، بدعم من الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM) “مجموعات في عدة مناطق، لوضع حد للحكرة، أي مشاعر الظلم والإذلال (والإحساس بالاحتقار)، وبدأن في مواجهة عائلاتهن، وممثلي القبيلة، وحتى السلطات المحلية؛ للمطالبة بالمساواة في ملكية الأرض والإرث”، وهو ما كانت أشد المعارضات له صادرة “من أفراد الأسرة، حيث وجدت العديد من النساء أن أشقاءهن من الذكور يعارضون بشدة منحهن حقوقهن في الإرث”.
ويستحضر المصدر نفسه بدء المغربيات بالتعبئة من أجل حقوقهن قبل استقلال البلاد عام 1956 بفترة طويلة، ويزيد: “لكن بين عامي 1998 و2003 ظهرت مواجهة بين حركة مؤيدة للمساواة بين الجنسين وأخرى محافظة، ما أدى إلى إصلاح قانون الأحوال الشخصية (المدونة) في 2004؛ ثم نتيجة لضغط الحركة النسوية أدت الإصلاحات الجديدة إلى الاعتراف بحق المرأة في نقل جنسيتها إلى أطفالها (2007)، وإنشاء آليات التمييز الإيجابي في الولايات الوطنية والمحلية الانتخابية، ومراجعة بعض أحكام القانون الجنائي، وأخيرا اعتماد قانون مناهضة العنف ضد المرأة عام 2018″، علما أن “الإصلاح الدستوري لعام 2011 كرس المساواة والتكافؤ بين الرجل والمرأة في جميع المجالات”.
رغم هذا، تسجل الورقة أن “هذه الإصلاحات، التي هي من بين الأكثر تقدما في المنطقة العربية، لم تسهم في الحد من التفاوتات الكبيرة بين الجنسين في العديد من المجالات؛ فبقي التزام الزوج بتلبية احتياجات الزوجة، وعدم الاعتراف بالأعمال المنزلية والرعاية التي تقوم بها المرأة، وكذلك عدم المساواة في الإرث”، ما يعني أن “قانون الأسرة أبقى الأسس الاقتصادية والرمزية للنظام الأبوي، الذي يتجلى في القوامة”.
وعرّفت الباحثة القوامة بكونها “نظاما تم تقديمه على أنه نظام طبيعي، ومنظم إلهي، يشير إلى توزيع هرمي متشدد للمهام التي يقوم بها الرجال والنساء، ويتمتع بقوة رمزية وثقافية؛ بحيث يتجاوز إطار العلاقات الأسرية إلى تخلل النظام القانوني بأكمله، وجميع السياسات العامة؛ وبموجبه تعطى الأولوية للذكور لأنهم سيتولون مسؤولية قريباتهم من الإناث”.
ويستمر هذا النظام، وفق ورقة السياسات، “علما أن النظام الأسري والقبلي القديم الذي كان يضمن للمرأة بعض الأمن آخذ في الزوال، بعدما أعادت عوامل مختلفة تشكيل نموذج الأسرة الأبوية التقليدية، بما في ذلك الانخفاض الحاد في زواج الأقارب ومعدلات الخصوبة، فضلاً عن زيادة التحضر؛ وهو ما أثر على العادات التي تحكم إدارة الأراضي الجماعية، ولاسيما على النساء اللائي حُرمن بالدرجة الأولى من مواردهن الخاصة، وأصبحن مستبعدات ومحرومات من حق ملكية الأرض”.
وتذكر الباحثة أن “حركة السلاليات حركة غير مسبوقة في المغرب؛ لأنه تاريخيا لم يكن للمرأة الحق في الحصول على الأرض، سواء كانت ملكية جماعية أو خاصة (ملك)؛ فاعتادت النساء أن يتنازلن عن حصتهن لأقاربهن الذكور، حتى لا يتم استبعادهن ونبذهن من الأسرة والقبيلة، ولهذا شعر أفراد الأسرة الذكور وزعماء القبائل بالتهديد من المطالب الجديدة للمرأة”.
وتغلبت هذه الحركة على التحيز والتمييز، عبر مراحل متعددة، توضحها الورقة: “أولها عرض القضية على الرأي العام، وشمل ذلك حملة لتنبيه عامة الناس إلى القضايا التي تواجهها النساء اللائي يعشن في الأراضي الجماعية، وثانيها إسهام الحركة في تشكيل الرأي العام بشكل إيجابي من خلال تنظيم المؤتمرات ودعوة وسائل الإعلام الوطنية والدولية لتقديم تقارير عن تجارب هؤلاء النساء، وتنظيم زيارات ميدانية للصحافيين، وثالثها، (…) تناول الموضوع مع القادة وصانعي القرار (…) من خلال تقديم شكاوى إلى المحاكم الإدارية للمطالبة بتعويض النساء، والدعوة إلى الاحتجاجات في العاصمة الرباط ومناطق أخرى، ومواصلة الحوار المستمر مع السلطات المختصة على المستويين المركزي والمحلي”.
وتوثق الباحثة دور الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب في مساندة النسوة السلاليات لتحقيق مطلبهن، عن طريق مساعدتهن على “صياغة طلباتهن بشكل واضح وبناء حركة موحدة”، مع استخدامها “خبراتها في مجال الدعوة، ومعرفتها بالمؤسسات المغربية؛ لدعم السلاليات حتى يتمكن بأنفسهن من تحقيق أهدافهن”.
ومن بين هذه الإنجازات إصدار وزارة الداخلية منشورين عام 2009، خص الأول جهة الغرب واهتم الثاني بالبلاد ككل؛ و”كرسا حق السلاليات في الاستفادة من الدخل الناتج عن نقل الأرض”، ليصدر، بعد دستور 2011، منشور ثالث عام 2012 يضمن حقهن في ملكية الأرض، بما في ذلك الأراضي التي لم يتم نقلها، علما أن الطبيعة الإدارية لهذه المنشورات، ومدى معارضة الرجال وزعماء القبائل، لم يجعل تنفيذها الفعال مضمونا دائما.
كما تورد الورقة مثال القانون رقم 17-62 المتعلق بالجماعات السلالية وإدارة ممتلكاتها، الذي صدر في غشت 2019، ونص على أنه “يمكن لأفراد هذه الجماعات، رجالا ونساءً، الحصول على حق الانتفاع بجميع ممتلكات الجماعة التي ينتمون إليها (المادة 6) وأن لكلي الجنسين حق الوصول إلى الهيئات التمثيلية لجماعتهما (المادة 9)”.
وفضلا عن الجانب الاقتصادي في معاناة النساء السلاليات، تقدم ورقة السياسات قصتهن بوصفها “قصة تمكين جماعي عزز نشوء وعي نسوي وولد مشاعر الثقة والفخر”، اللذين ولدا، بدورهما، “عزما كبيرا”، أهم مكاسبه “القدرة على التغلب على الخوف وإدراك أهمية التضامن بين صفوف النساء”؛ ما ولد “قيادة نسائية جديدة، إذ توجد حاليا ما يقرب من 30 امرأة في الهيئات التمثيلية لجماعاتهن المحلية (النائبات)، وهو ما كان في السابق حكرا على الرجال”، علما أن أعدادهن من المرتقب تزايدها، تماشيا مع إصدار القانون الجديد لإدارة الأراضي الجماعية.