في عز مرضه وهوانه واشتداد عزلته، استحضر “غدر” الأصدقاء، وتقاتُل “الرّفاق”، وظلم “العدوّ”. وفي رحلته الأخيرة، فضل استكمال المسار وحيدا، فطالما تكبد الخسائر والفواجع الكبرى وهو يتدثر غطاء الوحدة، قبل أن يرحل عن الحياة حاملاً صفة “الرفيق” أو “Camarade”؛ هو عبد الله زعزاع، أحد أبرز قيادات حركة “إلى الأمام”.
جرب “ظلمة” الزنازين لسنوات طويلة قضاها في السجن يقرأ ويفكك أدبيات الماركسية، بسبب نضالاته القوية بعد تأسيس منظمة إلى الأمام عام 1972، التي كانت تعارض نظام الحسن الثاني وتطالبُ بإسقاطه. زخمُ المرحلة وتعقيداتها وتنازلاتها، طبع مسار عبد الله زعزاع، لا سيما بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد عام 1977 وسنوات العذاب التي قضاها في درب مولاي الشريف.
رحل زعزاع الذي كان يوصف بـ”مؤطر الرفاق”، بعد معاناة طويلة وشاقة مع المرض، وقد كان أحد القادة التاريخيين لمنظمة إلى الأمام، حيث حكم عليه بالسجن المؤبد (محاكمة السرفاتي)، وقد ساهم بعد سراحه، في كل المحطات النضالية لتجسير العلاقات بين المناضلين اليساريين لتوحيد عملهم النضالي، كما يقول من عاصروه.
تشير مصادر إلى أنه عندما اعتقل زعزاع، كان يحمل مفاتيح ثلاثة مقرات تابعة للمنظمة، باعتباره كان المسؤول الأول عن المخابئ السرية للتنظيم الماركسي اللينيني.
وفي كتابه “معركة رجل من اليسار”، يشير إلى أن الاعتقال كان لحظة صعود الحافلة بالقرب من ساحة مارشال، حيث تجمّع حوله رجال الشرطة بالزي السري، وأسقطوه أرضا ووضعوا القيود في يديه يوم 28 يناير 1975، ليساق إلى درب مولاي الشريف، وبعدها إلى السجن المركزي بالقنيطرة، بعد الحكم عليه بالمؤبد، حيث سيقضي 14 سنة من الاعتقال، قبل أن يأتي العفو الملكي سنة 1989.
يقول محمد نجيب كومينة، الكاتب والصحافي، في شهادته عن الراحل: “جرب التطرف الذي طبع تجربة اليسار الماركسي اللينيني في سبعينات القرن الماضي، وجعل القمع ينال بسهولة منه، وجرب الاختطاف والتعذيب من طرف وحوش بشرية والسجن لمدة 15 سنة، بعدما حكم عليه بالمؤبد+سنتين في محاكمة 1977 التي تولى النطق بحكمها القاضي الإخواني افزاز، الذي تولى رئاسة المجلس العلمي لوجدة ثم الكتابة العامة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في فترة عبد الكبير المدغري”.
ويضيف الكاتب في شهادته: “زعزاع بقي متشبثا بكثير من مواقفه التي كان يعبر عنها بلا لف أو دوران، لكنه راجع الكثير منها، مما جعله يحقق أشياء لم يحققها غيره من الذين ظلوا يعتقدون أن الشعب سيتبعهم متى ألقوا خطابا أو دبجوا مقالة أو تدخلوا في ندوة”.
ويتابع كومينة شهادته في حق الراحل قائلا: “عبد الله زعزاع كان نموذجا للمناضل الميداني الذي يعمل من أجل تحقيق نتائج وليس مناضل المقاهي والمطاعم وندوات الفنادق خمسة نجوم التي تتكرر فيها نفس الوجوه ونفس الخطابات وتزيد من عزلة وغربة اليسار، وهو نموذج أيضا للعمل المدني الذي يكرس التطوع والتضحية ولا يبتغي الحصول على المنافع الصغيرة”.
ومن بين المحطات البارزة في مسار الرجل اليساري خلال فترة اعتقاله، أنه حاول الفرار من السجن لأكثر من مرة؛ فقد خطط رفقة معتقلين اثنين من أجل الهرب، فانهمك، بمعية رفيقه السريفي، في حفر نفق تحت زنزانتهما. عملية حفر دامت عامين كاملين، لكنها لم تكلل بالنجاح.
وهو في السجن، خط رسالة شهيرة إلى الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يتهم اليساريين بالخيانة والانفصال، قال فيها إن المعتقلين السياسيين “مع مغربية الصحراء ولا يريدون الانفصال، لكنهم يتوقون إلى الحرية والانعتاق”.