نقاش مجتمعي يتجدّد كل سنة مع اقتراب شهر رمضان، يرتبط بالإفطار العلني الذي تنادي به شرائح حقوقية ومدنية عديدة، بدعوى الحريات الفردية التي تنصّ عليها مختلف المواثيق الدولية؛ فيما تعارض شرائح أخرى النقاش بأكمله، بحجّة أن الأمر يتعلق بـ”فريضة دينية” يكفلها الدستور المغربي.
ويبلغ الخلاف بين الأطياف المجتمعية مبلغه نتيجة رفض المدافعين عن الصيام حجج المنادين بـ”الإفطار العلني”، بل إن الأمر يصل إلى التعنيف الجسدي والنفسي في بعض الأحيان، نظرا إلى تفشي مظاهر “التدين الفلكلوري” الذي يجعل من رمضان مجرد مناسبة اجتماعية لأداء بعض الطقوس الدينية.
كما تتمسّك الفعاليات الدينية برأيها المتعلق بتحريم الإفطار العلني لأنه يمثل “اعتداءً” على “الشعور الديني” حسبها، بالإضافة إلى أن التشريعات المغربية مستمدة من المرجعية الإسلامية، الأمر الذي يعطي الحق القانوني لاعتقال المجاهرين بالإفطار خلال “الشهر المقدس” لدى جلّ المواطنين.
تعثر مسلسل العَلمنة
بالنسبة إلى أحمد عصيد، الباحث في التراث الإسلامي، فإن عودة النقاش “الحاد” كل عام مع اقتراب رمضان حول الصيام أو عدمه دليل على أن المجتمع، أو على الأقل شريحة منه، لم تعد تقبل النظام الاجتماعي السابق الذي يفرض رمضان كمناخ عام “قهري” و”تسلطي”.
ويوضح عصيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الشباب أصبح، اليوم، يفهم أن الصيام فريضة دينية شخصية خاصة بالمؤمنين بها ولا تلزم غيرهم، وأن صيام الأفراد لا ينبغي أن يصبح وصاية على غيرهم”، مردفا: “كما أن الناس أصبحوا أكثر وعيا بأن اعتقال السلطة لشخص يأكل نهارا في رمضان ومعاقبته بالسجن أو تعنيفه بشكل وحشي من طرف غوغاء المجتمع ليس قرارا دينيا ولا هو حكم شرعي”.
ويؤكد الباحث ذاته أنه “لا توجد عقوبة في الدين لمن لا يصوم رمضان، لأن الأمر متروك بينه وبين ربه ولا دخل للدولة فيه”، وزاد: “كما أن القانون المعتمد فرنسي يعود إلى بداية عهد الحماية”، ثم أردف: “هذه المعطيات صارت اليوم منتشرة على الأنترنيت؛ كما أن النقاش حول الحريات الفردية قطع أشواطا في بلادنا، خاصة بطرح موضوع تعديل المدونة الجنائية التي مازالت تتسبب في الكثير من الظلم وانتهاك حريات الأشخاص التي ترتبط جميعها بحرية المعتقد والضمير التي هي أم الحريات”.
ويشدد عصيد على أن “المطلوب حاليا هو استجابة الدولة لتحولات المجتمع والوعي العام وتطلعات الشباب وتوقهم إلى التحرر، وإرساء منظومتنا التربوية على أساس الحرية والمبادرة والوعي النقدي والتسامح وقبول الاختلاف، عوض العبودية والاتباع والتقليد والعنف وكراهية الآخر المختلف”.
ويشير المتحدث ذاته إلى أنه “يتحتم تعديل القانون الجنائي وإلغاء الفصول المجرمة للحريات الشخصية، وكل هذا يرتبط طبعا بمسلسل الدمقرطة والعلمنة الذي قطع أشواطا، لكنه ظل مترددا ومتعثرا بسبب استمرار السلطة في استعمال الدين في الحقل السياسي؛ ما يؤدي إلى مزايدة تيارات الإسلام السياسي عليها، وكهربة الأجواء وإفساد المجتمع وعقلية المواطنين بإشاعة العنف واللاتسامح”.
اعتداء على الشعور الديني
يفيد لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات-تمارة، بأن “صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، فالمسلمون في جميع أنحاء العالم، وعلى مر العصور، صاموا ويصومون هذا الشهر تقربا إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته، حتى إن غير المسلمين صاروا يعرفون هذا الأمر”.
ويلفت سكنفل، ضمن إفادته، إلى أن “مظاهر شهر رمضان تظهر على وجوه الناس وعاداتهم في كل البلاد الإسلامية، ومن ذلك احترام هذا الشهر وعدم جرح شعور المؤمنين بأي فعل يصادم حرمته حتى من غير المسلمين”، مضيفا: “كان اليهود في بلادنا لا يعلنون إفطارهم، ويربون أبناءهم على احترام المسلمين في مشاعرهم ومعتقداتهم، كما يحترم المسلمون مشاعر اليهود وغيرهم في معتقداتهم وشعائرهم في إطار من التعايش بين أهل الديانات السماوية”.
ويسترسل المتحدث ذاته: “وعليه فإن المسلم الحق والمؤمن الصادق يصوم هذا الشهر سواء كان وحده أو مع الناس، فلا أحد منا يدري هل الإنسان الذي أمامه مفطر أو صائم إلا ما كان من امتناعه عن الأكل والشرب أمام الناس، إذ نعتقد جميعا أن كل الناس صائمون حتى ولو كان بينهم من يفطر خفية في بيته”، ويمضي شارحا: “هذا هو جوهر الموضوع، فمن أفطر من المسلمين خفية في بيته لا نسأل عنه، ولا نتجسس عليه احتراما لحريته الشخصية؛ أما أن يعلن إفطاره بمعنى أن يخرج إلى الشارع والفضاء العام ليمارس ما يعتقد أنه حرية فهو تطاول على حرية الآخرين، واعتداء على شعورهم الديني وتجاوز للنظام العام الذي تحفظه الدولة بقوة القانون”.
كما يورد سكنفل أن “القضية ليست قضية إفطار أو صيام، وإنما قضية تطاول واعتداء على الشعور العام للمواطنين والمواطنات، وتحد للدولة باسم حقوق الإنسان. وفي الحديث: ” يَقُولُ كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ”.. صحيح البخاري. ومن ثمة فلا يجوز الإفطار العلني، وللدولة الحق في منع ذلك، بل هو واجب شرعي وفريضة دينية ومبدأ قانوني يكفله الدستور المغربي الذي جاء فيه أن المغرب دولة إسلامية، وأن الإسلام هو دين الدولة، وأن أمير المؤمنين هو حامي الملة والدين”.
The post رمضان يجدد الجدل بخصوص "الإفطار العلني" في المجتمع المغربي appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.