“الفتاة لا تطلب من الدنيا إلا زوجا، وإذا جاء طلبت منه كل شيء”؛ هكذا تقول المقولة التي يبدو أن صاحبها لم يأخذ بعين الاعتبار بعض المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، التي أفرزتها العولمة وغيرت من طموحات وتطلعات الشباب.

لم تعد تخفى على أحد العلل التي أصابت إقبال الشباب على الزواج، والتأكيد يأتي من تقارير المندوبية السامية للتخطيط، التي تبين أن المغرب انتقل من الزواج المبكر إلى الزواج المتأخر بشكل متزامن في الوسطين الحضري والقروي.

وبات تأخر سن الزواج ظاهرة بارزة في السنوات الأخيرة، وهو ما يعززه تقرير السكان والتنمية لسنة 2019، الذي يقول إن حوالي 35 في المائة من المغربيات، أي أكثر من الثلث، عازيات، فيما بلغت العزوبة عند الإناث سنة 2014 مستويات عالية في الأعمار الحاسمة، إذ إن حوالي الربع (24 في المائة)، من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30 و34 سنة، لم يسبق لهن الزواج.

ويعزو نعمان الأيوبي، مستخدم بإحدى الشركات في مدينة طنجة، تأخر الزواج عند الشباب إلى تجارب حب سابقة اتسمت بالفشل، علاوة على ارتفاع نسبة الطلاق بنسبة لافتة للأنظار؛ الشيء الذي كرس نوعا من الإحباط في صفوف شباب مازالوا مترددين في خوض غمار التجربة.

ويرى نعمان أن عوامل كثيرة ومتعددة ساهمت في تنامي الظاهرة، منها غياب تعريف محدد للحب والجهل بالهدف والمقصد من الزواج، وكذا تغير مفهوم الزواج لدى جيل الألفية الثالثة، إذ بات البحث عن الشريك المناسب كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.

ويضيف الشاب نفسه، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الحلال صار مكلفا ويتطلب مصاريف لا طاقة للراغب في الارتباط بها، خاصة في الفترة التي وصفها بالانتقالية والمتميزة بميل غالبية الشباب، خاصة الموظفين، إلى تأخير قرار الزواج حتى يتسلق سلم المسؤولية و”يكبر الصالير”، وفق تعبيره.

وأرجع المتحدث ذاته إسهام ما سماها الفوارق الاجتماعية والتعليمية والثقافية بين المتحابين في تعثر مشروع الزواج، ويرى أن مسؤولية تربية الأبناء في ظل عمل المرأة تزيد من صعوبة اتخاذ القرار؛ فالتربية هي الخدمة الوحيدة التي لا يمكن تفويضها للأغيار، على حد تعبيره.

وتربط أسماء، وهي مهندسة دولة، تأخر سن الزواج بانعدام الحس بالمسؤولية لدى بعض الرجال، الذين يعتبرون المرأة “سجينة بيت” ومكلفة بالكنس والمأكل وتربية الأبناء لا غير، إضافة إلى هيمنة الهاجس المادي على العلاقات وسيادة شروط تعجيزية في شكل بنود، تجعل من الزواج صفقة بدفتر تحملات، على حد وصفها.

وقالت المهندسة عينها لهسبريس إن الزواج ميثاق تراض مبني على المودة والرحمة والتعاون، أساسه التفاهم والكثير من الصبر؛ وهي الخصال والقيم التي يتم تغييبها والالتفات إلى بعض جوانب هامشية تنفر الطرفين من بعضهما وتجعلهما يفضلان العيش بحرية، بعيدا عن ارتباط مقيد ومحكوم بالفشل.

من جانبه، يرى معاد المرابط، مياوم، أن عدم إحساس الفرد بالأمان والاستقرار في العمل يفقدانه حماسة فكرة الارتباط، مستحضرا في هذا السياق جائحة فيروس كورونا التي كان لها الأثر البالغ على القطاعات الحرة وغير المهيكلة، مشددا على أن مهمة تأسيس أسرة لم تعد بالسهولة ولا البساطة التي كانت خلال الأمس القريب، وأن العائد المادي البسيط لن يكفي حتى لسد واجبات الكراء والمصاريف اليومية العادية.

وأضاف الشاب الثلاثيني لجريدة هسبريس، أن نسبة الطلاق خلال فترة الجائحة والحجر الصحي على سبيل المثال، تؤكد صعوبة مسؤولية الزواج والمعيشة في ظل غياب دخل قار، “لأنه حتى واحد مغادي يعقل عليك بما في ذلك مراتك اللي غادي تعتبرك غير قادر على توفير رغيف العيش”، موردا أن من لم تتوفر فيه هذه الشروط الأولية، لا داعي أن يقحم نفسه في هذه المعركة المحسومة سلفا نتيجتها، إذ يكون ضحيتها الأبناء مستقبلا.

محسن اليرماني، باحث في سلك الدكتوراه، قال لهسبريس إن الزواج لم يعد أولوية عند كثير من الشباب، ويعتبرونه عائقا أمام أهدافهم في الحياة ويحد من حريتهم واستقلاليتهم، مشيرا إلى أن هذا التغير في نمط التفكير هو حال الكثير من الشباب الذين وجدوا فسحة في العلاقات غير الشرعية لإشباع رغباتهم وشهواتهم، أو عند الشابات اللواتي يطمحن إلى الحصول على الوظائف والمناصب لتحقيق ذواتهن واستقلالهن المادي.

وأرجع اليرماني هذا التغيير إلى فقدان الثقة في مؤسسة الزواج، بسبب تفشي ظاهرة الطلاق والمشاكل الزوجية، وانعدام السكينة والمودة والرحمة في كثير من البيوت.

وأكد المصدر ذاته أن ظاهرة تأخر سن الزواج ستكون لها عواقب وخيمة، إذ ستؤدي إلى تراجع منسوب قيم الحياء والفضيلة في المجتمع، لذلك ينبغي العمل على إنشاء مراكز لتأهيل الشباب، والتوعية بأهمية مؤسسة الأسرة في تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي.

hespress.com