يشكل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني واحدا من بين القطاعات الواعدة التي يعول عليها المغرب للمساهمة في التنمية المستدامة، عبر تنظيم الأنشطة غير المهيكلة ومحاربة الفقر والإقصاء وخلق فرص الشغل، خاصة في الوسط القروي.
وتعد التعاونيات نموذجا حيا لنجاح هذا القطاع، من خلال الدور المهم الذي باتت تلعبه خلال السنوات الأخيرة، في تنزيل عدد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، التي كان لها الفضل في محاربة البطالة والفقر، وضمان موارد عيش قارة، وكذا إدماج المرأة في سوق العمل.
“سمراء المعدر” الفلاحية واحدة من بين الهيئات النسائية النشيطة في العمل التعاوني بإقليم تزنيت، التي تمكنت في ظرف وجيز من ضمان مكانتها بالسوق الوطنية، في مجال تسويق زيوت التجميل والأعشاب الطبية والعطرية.
بداية صعبة
حبيبة أحداد، مسيرة ومؤسسة “سمراء الفلاحية” الكائن مقرها بجماعة المعدر الكبير، قالت، في تصريح لهسبريس: “وجدت صعوبة كبيرة سنة 2013 خلال عملية تأسيس التعاونية، لكن بفضل تجربة عمل سابقة خضتها في الميدان، وصبر وإرادة بقية المتعاونات، وانفتاحنا على جميع الفعاليات؛ استطعنا تجاوز إكراهات البداية وتسطير برنامجنا المستقبلي”.
وذكرت المتحدثة ذاتها أنه بحكم ضعف الموارد والإمكانيات المادية، ارتأت التعاونية، التي اختارت في انطلاقتها استخراج وتسويق زيت أركان، الاعتماد على وسائل تقليدية ويدوية عبارة عن رحى حجرية، وهو الأمر الذي كان يستغرق مدة أطول توازيها إنتاجية أقل.
حافز المبادرة الوطنية
أوضحت أحداد أن برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كان له فضل كبير في تطور أنشطة “سمراء الفلاحية”، التي استفادت سنة 2017 من مجموعة من الآلات والمعدات العصرية في مجال عصر وإنتاج الزيوت، وهو الحافز الذي كان وراء توسيع دائرة اشتغالها والرفع من مردوديتها وعدد متعاوناتها اللواتي بلغن إلى حدود اليوم 12 امرأة.
وأضافت مسيرة التعاونية نفسها أن المشاركة في عدة دورات تكوينية أطرتها الشبكة الإقليمية للاقتصاد التضامني بتزنيت، في الجانب المتعلق بالتسيير والدعم والتمويل والتسويق، كانت أيضا عنصرا مهما وراء وضع “سمراء الفلاحية” في سكتها الصحيحة، إذ تمكنت من تحسين دورة إنتاجيتها والانفتاح على السوق المحلية بسلع ومنتوجات طبيعية ذات معايير جيدة قادرة على التنافسية.
وأشارت حبيبة أحداد إلى أن المرأة القروية لديها من العزيمة والكفاءة ما يؤهلها للانخراط في مسار التنمية المستدامة، خصوصا في مجال المشاريع المنتجة المدرة للدخل، لما لهذه الأخيرة من فائدة مهمة، سواء على النساء القرويات، عبر تحسين وضعيتهن المادية، أو على القطاع غير المهيكل، عن طريق التقليص منه ومحاربة نتائجه وتأثيراته على النسيج الاقتصادي الوطني.
مواد تجميل طبيعية
أوردت أحداد أن تعاونيتها اختارت التخصص في مجال إنتاج زيوت التجميل، معتمدة في ذلك على مواد طبيعية خالصة، على رأسها الأركان والتين الشوكي وزريعة الكتان والسمسم؛ وهو الأمر الذي أكسبها ثقة زبنائها، الذين يتوزعون في عدة مدن مغربية وخارج أرض الوطن، ومكنها أيضا من نيل شرف المشاركة في معارض إقليمية وجهوية ووطنية، حصدت خلالها جوائز وشواهد تقديرية نظير منتجاتها المتميزة.
وشددت المتحدثة ذاتها، في ختام حديثها لهسبريس، على أن الجودة وحدها لا تكفي للنجاح في المجال، بل يتوجب على ممارسي العمل التعاوني ضرورة الاعتماد على الإشهار والبحث عن ولوج الأسواق الكبرى، واعتبار المنافسة نقطة إيجابية، وإشراك بقية التعاونيات، فضلا على الالتزام بالمواعيد المحددة مع الزبناء في تلبية طلباتهم، إضافة إلى التكوين المستمر، وغيرها من الدعائم الأساسية التي من شأنها ضمان استمرارية التعاونية وتطوير أنشطتها الإنتاجية”.
بناء وحدة للتثمين
تتويجا للمجهودات التي تبذلها، وقعت تعاونية “سمراء المعدر الفلاحية”، مؤخرا، اتفاقية شراكة تجمعها مع المديرية الإقليمية للفلاحة بتزنيت وجماعة المعدر الكبير، قصد بناء وحدة لتثمين منتجاتها المحلية، تماشيا مع الأهداف الاستراتيجية لمخطط المغرب الأخضر في شقه المتعلق بالدعامة الذاتية، الرامية إلى تحسين دخل الفلاحين بالمناطق الهشة، عبر إنجاز مشاريع لتحسين الإنتاج.
وساهمت جماعة المعدر الكبير في هذا المشروع، الذي يأتي تكريسا لدور التعاونيات الفلاحية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بوعاء عقاري تبلغ مساحته الإجمالية 300 متر، كما التزمت بتقديم المساعدة للتعاونية في إعداد تراخيص البناء، وتسهيل كل ما من شأنه أن يعيق السير العادي لبناء الوحدة.
من جانبها، التزمت المديرية الإقليمية للفلاحة بالتمويل والإشراف التقني على بناء وحدة تثمين المنتجات وتجهيزها بالمعدات الضرورية، ووضعها تحت تصرف تعاونية “سمراء الفلاحية”.