بعد سنة على خروجها إلى ساحة النّقاش العموميّ بالمغرب، تتعهّد حركة “خارجة عن القانون” باستمرار عملها في سبيل إسقاط القوانين المجرِّمة للعلاقات الرضائية خارج إطار الزّواج، وتقول في بيان بالمناسبة: “لازلنا على العهد: كلّنا خارجات وخارجون عن القانون حتى يتغيّر”.

ويعود انطلاق هذه المبادرة، التي حصلت على جائزة سيمون دي بوفوار لحرية المرأة، إلى السنة الماضية 2019، عندما كانت الصحافية هاجر الريسوني وخطيبها وطاقمها الطبي متابعين في حالة اعتقال، فصدرت عريضة، جمعت عشرات آلاف التوقيعات، تقول: “نحن مواطنات ومواطنون مغاربة، نعترف بأنّنا خارجات وخارجون عن القانون” بسبب عدم الالتزام بالقوانين المجرّمة للعلاقات الرضائية خارج إطار الزواج، وطالبت بتغيير هذه القوانين.

ومن بين أوجه النقاش الذي أثارته إذ ذاك دعوات من أبرزها دعوة “خارجة عن القانون” أصوات رفضت التوقيع على العريضة رغم اتفاقها على مضمونها، لاعتبارها ملفّ الصحافية الريسوني سياسيا وقضية استهداف، وعريضةٌ مضادّة مُعنونَة بـ”مغاربة ضد الحرّيّات الإباحية”، فرّقت بين “الحريات الفردية بصفتها حقا دستوريا، يجب ترسيخه في القانون، والمجتمع، وبين الحريات الإباحية، التي تعني التطبيع مع أنواع من السلوك، تشتمل على كثير من الأضرار، مثل: إباحة الزنا، والخيانة الزوجية، وإباحة الشذوذ الجنسي، والإجهاض بما يعنيه من قتل لروح إنسانية بريئة”.

وبعد سنة من بداية المبادرة، والإفراج عن الصحافية هاجر الريسوني ومَن معها بعفو ملكيّ استثنائيّ، تكتب “خارجة عن القانون”: “كان العفو الملكيّ الذي استفادت مِنه هاجر بمثابة مؤشِّر مطمئن”، ثم تستدرك قائلة في بيانها: “هذا الاطمئنان كان لَحظِيّا؛ فالمغرب يغصّ بمئات بل آلاف الضحايا الأخريات، والآخرين، بشكل مباشر أو غير مباشر، لتجريم الحريات الفردية (…) حيواتهم وأحلامهم تغتالها هذه القوانين”.

ومن بين القوانين التي تعمل هذه الحركة المدنية على التوعية بضرورة إلغائها الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، الذي يقول إنّ “كلّ علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد ويعاقَب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.

موقف غير سليم

يرى الحسين الموس، نائب المدير العلمي لمركز المقاصد للدراسات والبحوث، أنّ قول إنّنا سنظلّ خارجات عن القانون إلى أن يُغَيَّر “ليس موقفا سليما”، مردفا: “الموقف السليم هو إذا رأينا أنّ في القانون الجنائيّ المغربيّ نصوصا تحتاج تعديلا ففي أي دولة تحترم نفسها ولدى أيّ مواطن يحترم نفسه الأصل هو الالتزام بالقانون، والسّعي إلى تغييره بوسائل أخرى”.

ويضيف كاتب “الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا” في تصريح لهسبريس: “لا شكّ أنّنا نتّفق، ففي مرجعيّتنا الإسلامية، وغيرها، القانون ليس وحيا وإمكانية المراجعة تبقى موجودة، لكن الاعتراف بالخروج عن القانون يعني أنّه حتى ولو غُيِّر هذا النّصّ ستأتي فئة أخرى وتقول إنّها خارج عن قانون آخر، وليس هذا الطريق الصحيح”.

ويزيد الحسين الموس: “القانون متكامل، إذا أردنا إزالة تجريم هذه العلاقات ستصير أمرا مسموحا به، ما يقتضي النظر في مدونة الأسرة المغربية. ونحن كمجتمع مغربيّ مسلم ترى المدونة أن الأسرة هي الحاضن الطبيعي للأبناء، وبالتالي العلاقة الجنسيّة التي يترتّب عنها بشكل طبيعيّ أبناء لا يمكن أن تبقى مفتوحة هكذا، فنجد بالتالي أبناء مشرّدين وأبناء الشّوارع”، وهو ما يدفعه للتّأكيد أنّ “تقنين العلاقة الجنسيّة التي ستُثمِر أبناء مطلوب في جلّ القوانين”.

ولا يعني الحديث عن التقنين سلب حقّ الاختيار، بالنسبة للباحث، إذ يقول: “الإنسان إذا مارس هذه العلاقة في بيته ولا يطَّلع عليه أحد فالقانون لا يتابعه، فإثارة هذه القضيّة بالنسبة لي، إذن، هي من أجل الإثارة فقط، أمّا الإنسان فيبقى حرّا إذا أغلق عليه منزله، ويتصرف وفق قناعاته، ووفق آرائه الشخصية”.

وعن نقاش إلغاء تجريم المثلية الجنسيّة، يقول المتحدّث: “هل نتصور مجتمعا نريد فيه إعطاء العلاقة الجنسية قدسيتها، وتكون في شكلها الطبيعي، كما نؤمن في المرجعية الإسلامية، أم نقول إنّ المثلية ليست مرضا، كما تقول بعض الدول الغربية، ولا نقف عند عدم تجريمها، بل نقيم هذه العلاقات؟”.

ويضيف الحسين الموس: “لا نقبل بهذا في مرجعيّتنا، والشق القانوني ليس الوسيلة الوحيدة لاجتثاثه، بل نحتاج بعدا تربويا وتعليميا ودينيا، حتى نكون مجتمعا يحافظ على القيم، ويحافظ على علاقة الرجل والمرأة في إطار الأسرة؛ وإذا بقيت بعض الحالات المعزولة فتبقى معزولة ولا يُلتَفت إليها”.

مبادرة “حرّكت النقاش”

من جهته يرى محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفكر الإسلاميّ، أنّ مبادرة “خارجة عن القانون” كان لها “دور كبير في تحريك النقاش حول موضوع العلاقات الرضائية الذي كان من الطابوهات، في زمن قريب، ولَم يكن مِن الممكن تصور نقاش للمجتمع المغربيّ حوله”، بل واضطرّت، المبادرة، “حتى بعض المسؤولين الحكوميّين إلى الخروج والتّصريح بأنّ السلطة لا تقتحم على النّاس بيوتهم، وبأنها يجب أن تحمي حميميّتهم”.

ويعود الباحث رفيقي، في تصريحه لهسبريس، إلى مجموعة من الندوات التي نُظِّمت في هذا الإطار، والعديد من تصريحات المثقفين والمسؤولين، ليقول: “أظّن أنّ هذه الحركة، وغيرها، ساهمت بشكل كبير في إثارة هذا النقاش وتحريكه، وهو أثرٌ امتدّ إلى داخل الحركات الإسلامية التي كان لها موقف متشدّد من هذا الموضوع، ورأينا مسؤولين فيها يتحدّثون عن ضرورة إعادة النّظر فيه”.

ويزيد المتحدّث ذاته: “أعتقد أنّ لمثل هذه الحركات دور كبير في إثارة النّقاش وتحريكه نحو ما هو عمليّ، وهو تغيير القانون، الذي لا يمكن إلّا عبر تعبئة مجتمعية وإقناع وتوعية وتحسيس بأهمية هذا الأمر، وهو ما نجَحَت فيه هذه الحركات بشكل كبير”.

وعن شعار “خارجات عن القانون”، يقول محمد رفيقي إنّه “لافتة استفزازية” تقصد “إثارة الحديث عن موضوع كان يعتبر حساسا، وكان من غير الممكن الحديث عنه”، أما في الواقع “لا أحد يدعو إلى الخروج عن القانون، وتغييرُه يجب أن يكون بالالتزام به، وعدم الخروج عنه، والدعوة إلى تغييره عبر الأدوات التشريعية المعروفة”.

ويسترسل الباحث شارحا: “هذا الشعار يريد الإشارة إلى قضيّة أخرى، وهو أنه داخل المجتمع المغربي هذا القانون مخروج عنه بقوة الواقع الذي نراه في الشارع، فالعلاقات الرضائية التي يمنعها منتشرة بشكل كبير في المجتمع بكلّ مرافقه (…) لأسباب اجتماعية من بينها التأخّر الحاصل في سنّ الزواج، والإشكالات المادية والاقتصادية، وهو ما صار معه الخروج عن هذا الفصل أمرا واقعا”؛ وبالتالي يكون الشعار دعوة لتغيير أمر هو واقع.

ويتحدّث محمد عبد الوهاب رفيقي عن حالات كثيرة اقتُحِمَت بيوتُها، وحالات اقتُحِمت منازلها لوجود رجل وامرأة في شقة، فقط، دون أن تَثْبُتَ ممارسة جنسية، ثم يضيف: “مِن أسباب الدّعوة إلى رفع هذا القانون السّعي إلى عدم توظيفه توظيفا سيّئا، لتصفية الحسابات بين أيّ أطراف”، ويزيد: “ليس الإشكال في تطبيق السلطة للقانون، ما دام موجودا ويتيح ذلك، بل الإشكال الحقيقي في القانون الذي يؤطّر هذه التصرّفات”.

وعن أثر رفع التجريم على مركزية الأسرة في المجتمع، يقول الباحث: “لا أظنّه سيؤثّر على مركزية الأسرة في النظام المجتمعي المغربي، فما نتحدّث عن رفع تجريمه أمر واقع، والعلاقات الرضائية، والعلاقات بين المثليّين أمر واقع منذ زمن طويل، ونظام الأسرة لَم يتأثّر تأثيرا واضحا، والتغييرات التي وقعت فيه ليس سببها هذا، بل أسباب اجتماعية واقتصادية مختلفة، أمّا في عمومه فنظام الأسرة باق كما هو”.

ويزيد رفيقي: “في تجارب أخرى، رُفِعَت فيها هذه القوانين منذ مدة، مازال نظام الأسرة بها قائما (…) ورأيت في بعض الدول الأوروبية من الحرص على نظام الأسرة والاعتماد عليه ما لا يوجد في المجتمعات الإسلامية، رغم عدم وجود هذه القوانين فيها”. ثم يجمل المصرّح قائلا: “الحديث عن الأسرة والخوف عليها نوع مِن المزايدة في هذا الموضوع، فليست القوانين المتدخلة في حريات الناس وقناعاتهم واختياراتهم سبيل الحفاظ على الأسرة، بل سبيل الحفاظ عليها له قنوات أخرى تربوية وتوعوية، وليس بالضرورة قوانين تَحُدّ مِن حريّة النّاس”.

hespress.com