في كتابه الموسوم بعنوان: “آراء في قضايا التربية والثقافة”، الصادر ضمن مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، خصص المفكر المغربي محمد شفيق فصلا لأخلاقيات مهنة التدريس، أكّد في مستهله الترابط الوثيق بين منظومة أخلاقيات المهنة ومنظومة طرائق التدريس.

وهاتان المنظومتان، كما يوضّح المدير الأسبق للمدرسة المولوية في كتابه الذي تناول فيه مختلف إشكاليات قضية التربية والثقافة بالمغرب، هما اللتان تولّدت منهما ما يسمّى في تاريخ التربية بالمدرسة الحديثة، أو “المدرسة النشيطة”.

وشرح شفيق منظومة أخلاقيات المهنة ومنظومة طرائق التدريس اللتين ولدتا المدرسة الحديثة، بأنها الطرائق “التي تعتمد التشويق والترغيب بدلا من الترهيب والتعذيب، اللذين كانا سائديْن في التعليم الكنسي بأوروبا، قبل أن تتبلور فكرة تجديد طرائق التدريس القديمة، ابتداء من القرن السابع عشر إلى أن تبنتها جميع الدول الأوروبية، وتبعتها دول أخرى مثل اليابان وكوريا وغيرهما”.

وأوضح أن المقصود من أخلاقيات مهنة التدريس هو منظومة القواعد التي يجب على كل معلم وكل أستاذ أن يلتزم بها في ممارسة مهنته وفي جميع تصرفاته مع تلاميذه وزملائه، مبرزا أن هذه المنظومة مرتبطة مع منظومة أخرى، هي مجموعة الطرائق المعتمدة في التلقين.

ويرى المفكر المغربي أن عدم الالتزام بأخلاقيات مهنة التدريس “يدل على عدم القدرة المهنية والعكس بالعكس… لكن يُعتبر عدم العمل بالطرائق دليلا قاطعا على جهل منظومات الأخلاقيات أو الاستهتار بها، ولا يمكن لمن دُرب على العمل بالطرائق أن يكون جاهلا بوجود المنظومة الأخرى”.

وعلى رأس قواعد السلوك التي ينبغي للمعلّم أو الأستاذ أن يلتزم بها، كما يوضح شفيق، “ما هو معروف بالخصال الحميدة الضرورية في كل سلوك بشري كأن يصدُق الإنسان، وأن يكون رؤوفا رحيما”، وفيما يتعلق بالقواعد الخاصة بممارسة التدريس، ذكَر “حُبّ المهنة والإخلاص لها”.

ويرى شفيق أن الذي يرشح نفسه لممارسة مهنة التدريس مطلوب منه، إضافة إلى الالتزام بقواعد السلوك والقواعد الخاصة بممارسة التدريس، “أن يعقد العزيمة من أجل تحصيل جميع المؤهلات الضرورية، من ثقافة عامة، وثقافة خاصة، وتأهيل للتطبيق…”.

ومن الخصال الحميدة التي دعا المفكر المغربي المدرّسين إلى التحلي بها، “الوقار في غير تزمّت مع القدرة على المداعبة”، و”الشجاعة الأدبية الكافية لمواجهة الجهل والشعوذة والفكر الخرافي”، والتحفظ في الحديث عن النفس”، و”لزوم التؤدّة والتمرّن الدائم عند تركيز الفكر”، لافتا إلى أن التؤدة ضرورية في العمل بالطرائق التربوية الناجعة.

ومقابل هذه الخصال الحميدة، دعا شفيق المدرّسين إلى تجنب خصال شائنة من قبيل “التهاون في العمل، كالتغيب وعدم ضبط الوقت”، و”إهانة التلاميذ بدلا من الأخذ بأيدي الضعاف منهم”، موضحا في هذا الصدد أنه لا ينبغي للأستاذ أن يجعل أي تلميذ من تلاميذه في موقف يشعر فيه بالدونية.

وختم شفيق “الخصال الشائنة” التي دعا المدرسين إلى تجنبها في حرص كبير، بمسألة المحسوبية والمحاباة، سواء المحاباة الصريحة أو المبطنة وغير المقصودة، “ولا ينبغي أن يُشم في تصرفات المدرّس أو الأستاذ أدنى رائحة للميل إلى المحاباة والمحسوبية”.

وأردف أن هذه الخصلة الشائنة التي ترتكب إما في تنظيم الامتحانات قبل إجرائها، وإما أثناء إجرائها، وإما عند معالجة نتائجها أو إعلان النتائج، “مظهر متوارث في ثقافتنا التربوية والتعليمية، ولها انعكاسات خطيرة على أخلاق المجتمع ككل نظرا لما تتركه من آثار شائنة في ضمائر الشباب، رجال ونساء الغد”، لافتا إلى أن “المشهور في المدارس الخصوصية أنها تحابي تلاميذها في منحهم النقاط لأسباب تجارية”.

hespress.com