أثبتت جائحة “كورونا” “مَواطِن التناقض والقصور التي تعتري سياسة الهجرة المغربية بشكل عام، والإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء بشكل خاص”، وفق مذكرة مشتركة أعدتها جمعيات مهتمة بحقوق المهاجرين، حيث عرف مهاجرون غير نظاميين “أزمة ثلاثية: صحية واجتماعية واقتصادية” وعدم “وفاء الحكومة بالتزاماتها”.

جاء هذا في مذكرة أعدتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وأرضية الجمعيات والجاليات القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء القاطنة بالمغرب، والشبكة المغربية لصحافيي الهجرات.

تقول المذكرة إنه، منذ متم أول عملية تسوية لوضعية المهاجرين في سنة 2014، صارت “المقاربة الأمنية مهيمنة في تنفيذ سياسات الهجرة، وبوجه خاص في المناطق الحدودية”؛ وهو ما تصاعدت حِدّته في أعقاب عملية التسوية الثانية، واستمر خلال فترة الطوارئ الصحية؛ “مما ألحق الضرر بالحق في الرعاية الصحية للجميع، وبتمتع الأشخاص الأجانب المتواجدين في المغرب بحقوقهم الأساسية”.

وتذكر المذكرة أن “الوضع المأساوي الذي يعيشه الأجانب، وبوجه خاص رعايا بلدان غرب ووسط إفريقيا الموجودين بجنوب المغرب، دليل على انعدام تدابير ملموسة لمد يد العون لهؤلاء الناس”، وتتحدث في الآن ذاته عن اتسام سياسات التعامل مع مهاجرين خلال فترة “الأزمة الصحية” بـ”إجراءات تمييزية منهجية، قائمة على أساس اللون أو الأصل “العرقي”، فعليا كان أو مفترضا”.

ويسجل المصدر نفسه أن الإجراءات المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية قد أدت إلى “تردي أوضاع الأشخاص من غير مواطني المغرب الذين يعيشون في بعض المناطق الحدودية بالمغرب، بما في ذلك مدينتا العيون وطرفاية، الواقعتان بالقرب من جزر الكناري”؛ حيث أدت، بالنسبة إليهم، الإجراءات المتخذة في إطار “الطوارئ الصحية” إلى “تقويض حقوقهم، ولا سيما حرية التنقل في جميع أنحاء التراب الوطني، والتمتع بحقوقهم الأساسية”.

ورغم السياق الصحي، تذكر المذكرة أن السلطات المغربية قد “شددت مكافحتها للهجرة غير الشرعية، مما ساهم في مراقبة حدود الاتحاد الأوروبي، على حساب حقوق الأشخاص الأجانب”، وتم “تسخير جائحة كورونا كأداة إضافية لمراقبة الأشخاص الأجانب وحرمانهم من حرية التنقل”، وحرمانهم من عدد من الحقوق الأخرى.

من بين ما تعرض له مُهاجرون مقيمون بشكل غير نظامي بالمغرب، وفق المصدر ذاته، “احتجاز خارج أي إطار قانوني، قبل إعادة بعضهم قسرا إلى بلدانهم الأصلية”، وصعوبات جمة يواجهها الأشخاص الأجانب بالمنطقة في سعيهم إلى الاستفادة من الخدمات الصحية، بكرامة ومن دون تمييز، وظروف إقامة مزرية في كثير من الأحيان، خاصة بالنسبة إلى اللأشخاص المصابين بفيروس “كوفيد-19”.

ولاحظت المذكرة “محدودية الوسائل والتنسيق بين المغرب وإسبانيا لحماية الحق في الحياة لفائدة الأشخاص المعرضين للخطر في عرض البحر”، و”انعدام مساعدة لائقة للأشخاص ضحايا الغرق، من قبيل الرعاية الطبية والنفسية”، و”تعذر إمكانية تعرُّف أفراد الأسر على ضحايا غرق القوارب”، و”قلة اهتمام البعثات الدبلوماسية برعاياها المعنيين”، مع تسجيل “تهديدات موجهة ضد الفاعلين الجمعويين والمدافعين عن حقوق الإنسان في أوساط الرعايا الأجانب”، من بينهم شخص قاطن بالمغرب بشكل نظامي، هُدِّدَ بعدم تجديد بطاقة إقامته.

ويذكّر المصدر نفسه بأن المغرب، منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس 2020، لم يستجب إلى التحذيرات التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني المغربية؛ من أجل إدماج الأشخاص غير المغاربة، الذين يعيشون وضعية هشة، في نظام الاستجابة والدعم المخصص لمواجهة فيروس “كوفيد-19″، بل “أقصتهم السلطات المغربية من مختلف برامج المساعدة”، وهو ما كشف عنه بشكل جلي “الوضع في الأقاليم الجنوبية، وما ترتب عنه من عواقب صحية خطيرة وآثار مأساوية من حيث انتهاكات حقوق الإنسان”.

وتورد المذكرة أنه “يبدو أن حالة الطوارئ الصحية قد ساهمت في تشديد تدخلات الأمنيين والإدارة، من دون أية مراقبة قضائية” فيما يتعلق بحبس واعتقال أشخاص من غير مواطني المغرب؛ وهو ما يبرَّر بـ”عدم الامتثال لإجراءات حالة الطوارئ الصحية أو بهدف حمايتهم من عدوى “كوفيد-19″”.

ويزيد المصدر: “في بعض الأماكن، واجه الأشخاص من غير مواطني المغرب، خاصة مَن هُم في وضعية إدارية غير قانونية، صعوبات في الحصول على رخصة التنقل التي تُسلِّمها السلطات، مما أعاق التنقلات المسموح بها، وعلى الخصوص من أجل تلبية احتياجاتهم. كما كانوا عُرضة للاعتقالات ولصعوبات في الحصول على حقوقهم الأساسية من شغل، ورعاية صحية…”، فضلا عن “عدم احترام سلطات هذه المناطق الإجراءات والتدابير الوقائية عند توقيف واعتقال الأشخاص الأجانب بالمراكز، من تباعد جسدي وتوفير للكمامات وظروف للنظافة”…

ومن بين ما تورده المذكرة من أمثلة اعتقالات في صفوف أجانب بمدينة العيون، تمت “دون تمييز بين المقيمين في العيون، والمرشحين للهجرة غير الشرعية، أو المتشردين”؛ مما نتج عنه “وضع إنساني مريع، يصعب تدبيره”.

ويزيد المصدر: منذ 20 مارس، اعتقلت السلطات المحلية في العيون ما يقارب 80 أجنبيا بدار الشباب القدس، “مبررة ذلك رسميا بخرق حالة الطوارئ الصحية”، موضحة للمعتقلين بأنه سيتم الاحتفاظ بهم لمدة أربعة عشر يوما، دون تقديم أي وثيقة رسمية لهم بشأن هذا الإجراء.

ومن بين ما تذكره المذكرة أن هذا “العزل القسري” قد جرت أطواره “من دون أية رعاية صحية كافية، إذ كان المعتقلون مكدسين في ثلاث قاعات كبيرة، وكانت المراحيض ومرافق الاستحمام في حالة مزرية. كما احتُجزت خمس نساء في المركز، إحداهن مع طفلها الذي يبلغ سنتين من العمر، لمدة ثلاثة أسابيع قبل إطلاق سراحهن”، وكان من المحتجزين أيضا في هذا المركز غير الرسمي أشخاص مقيمون منذ شهور بالمدينة، ووجد حوالي عشرة منهم أنفسهم في هذه الوضعية “دون أن يتمكنوا من التظلم قضائيا أو إداريا”.

ويسترسل التقرير متحدثا عن “حركة احتجاج وتمرد في المركز” إثر مطالبة المحتجزين بإطلاق سراحهم؛ وهو ما قاد، استنادا على حصيلة رسمية، إلى إصابة أربعة شرطيين وكثير من الأجانب خلال المواجهة؛ ليطلق سراح النساء، وينقل ثلاثة من هؤلاء الأشخاص إلى المستشفى لتلقي العلاج، وتُبادر اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعيون-الساقية الحمراء، بمعية النسيج الجمعوي المحلي، إلى بذل جهود وساطة من أجل “تدبير هذه الأزمة الأولى التي حدثت داخل هذا المركز المخصص للاحتجاز غير القانوني”، حيث “حُرم هؤلاء الأشخاص من حريتهم لمدة شهر إضافي، دون سبب وجيه”.

كما تقدم المذكرة مثالا بمدينة طرفاية، التي استخدم فيها “مركز مؤقت ثان يفتقر إلى وضع قانوني واضح، بهدف احتجاز أشخاص آخرين، بعد أن حاولوا الوصول إلى جزر الكناري على متن قوارب”. ويذكر أنه، إلى غاية متم شهر شتنبر 2020، “تعرض حوالي 100 شخص للاحتجاز في مركز بطرفاية، وفي مركز آخر على مشارف مدينة العيون، في مدة احتجاز قد تصل إلى ثلاثة أسابيع”.

ووفقا للشهادات التي استقاها معدو المذكرة، فإن “عمليات التوقيف والاحتجاز في هذه المراكز لا تخضع لأي مسطرة، إذ لا يقدَّم الأشخاص المعنيون أمام قاض، ولا يتم إخبارهم بأسباب توقيفهم أو حرمانِهم من الحرية. وغالبًا ما تقدم السلطات، بشكل غير رسمي، خرق حالة الطوارئ الصحية كأحد المبررات”؛ في حين يجب في هذه الحالة، بموجب المرسوم بقانون رقم 2-20-293 المؤرخ في 24 مارس 2020، “تنبيه المعنيين، أو تغريمهم، أو تقديمهم أمام قاضٍ”.

وتسجل المذكرة أنه، ابتداء من نهاية شتنبر، أُطلق سراح جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم، “باستثناء السنغاليين والماليين والغينيين، إذ تعرفت عليهم سلطاتهم القنصلية”، لتتم، بعد ذلك، “إعادتهم قسرا إلى بلدانهم الأصلية، بمن فيهم قاصرون غير مصحوبين بذويهم (وبوجه خاص، قاصرون غينيون غير مصحوبين”، وهو ما تم “في خضم إغلاق الحدود المغربية بإحكام، بعد إعلان حالة الطوارئ”. كما جرى “في سابقة من نوعها (…) استعمال الرحلات الجوية الداخلية (الداخلة-الدار البيضاء) لتنفيذ عمليات الترحيل هذه”، مع العلم أن شهر شتنبر من السنة الماضية قد شهد، أيضا، قيام السلطات “بعدة عمليات ترحيل قسري نحو مراكز بمدينة أكادير، انطلاقا من الأقاليم الجنوبية”.

ومع “تركيز السلطات المغربية والإسبانية جهودها على وضع حد لتدفقات الهجرة”، خلال السنة الماضية، وتنفيذ “عدد كبير من عمليات الاعتراض في البحر بهدف وقف محاولات العبور”. ورغم أن “عمليات الإنقاذ في البحر تكللت بإنقاذ أرواح”، فإن المذكرة تسجل أن هذه العمليات “لم تكن شاملة ولم تؤدِّ إلى تفادي العديد من المآسي في البحر”، مسجلة أنه “في بعض الحالات، توصلت السلطات البحرية المغربية و/أو الإسبانية بنداءات، ولم تبادر إلى عمليات الإنقاذ”.

وقدمت المذكرة مثالا بما حدث إلى غاية 21 يوليوز، حيث كان لا يزال 63 شخصا في عداد المفقودين بعد مغادرة قارب انطلاقا من السواحل المغربية. وما وقع بتاريخ 2 غشت 2020، بعدما انقلب زورق يقل 60 شخصًا، مما أدى إلى غرق 20 منهم، ولا يزال 13 منهم في عداد المفقودين؛ وهو ما يرجح المصدر، استنادا إلى معلوماته، أنه “كان بالإمكان تفاديه، حيث أرسل أشخاص على متن هذا القارب إنذارا، لكن انعدام التنسيق بين فرق الإنقاذ المغربية والإسبانية لم يمكِّن من إنقاذهم في الوقت المناسب”، وهو ما “فتحت النيابة العامة بالعيون تحقيقا في شأنه، لكن نتائج التحقيق القضائي لم يُعلن عنها إلى غاية تحرير هذا التقرير”.

ومن بين ما يحضر في المذكرة شهادات عن العنصرية ضد المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول جنوب الصحراء، بسبب بشرتهم الداكنة، حيث “يتهمنا سكان الأقاليم الجنوبية، عن غير صواب، بأننا حاملون للفيروس. ومن جهة أخرى، تُبعدنا السلطات في اتجاه الشمال، نحو أكادير ومنطقتها”. كما “لم يعد بإمكان السود استئجار سكن أو التنقل في منطقة الصحراء؛ وبالتالي نجد أنفسنا محاصرين بالوباء والسلطات”.

hespress.com