جمع المركز الثقافي الصيني بالرباط في ندوة رقمية، الأربعاء، صينيين ومغاربة حول تجارب محاربة الفقر من خلال السياحة الثقافية بالمغرب والصين.
وقدمت تشين دون يون، المستشارة الثقافية في السفارة الصينية بالمغرب مديرة المركز الثقافي الصيني بالرباط، نماذج من خطة الصين في محاربة الفقر، منذ سياسة الإصلاح والانفتاح سنة 1978.
وتقف مديرة المركز الثقافي الصيني عند “سياسة الدقة” في التخفيف من حدة الفقر، وتأثيرها بعدما أعطى تشي جين بينغ، الرئيس الصيني، انطلاقتها، لتعديل مسار عدم الدقة في مواجهة الفقر، بتحديد دقيق للمستفيدين من الدعم، لمعرفة السكان الفقراء بالقرى والبيوت؛ لضمان أن ما يقدم للأسر الفقيرة شفاف وعادل بشكل أكبر، إضافة إلى توطين أحسن وتوفير تدريبات على ريادة الأعمال، ومساكن منخفضة الإيجار.
وقدمت المتحدثة مثالا بقرى فقيرة تحولت إلى فضاءات نموذجية بالصين، بعدما طورت عبر ثلاث مراحل، إذ كانت تعتمد على زراعة مقيدة بالظروف الجغرافية، ثم عقب دراسة شاملة اعتمدت منذ عام 2014 على تنمية ثقافية وإبداعية ساعد فيها مجموعة من المبدعين الثقافيين، إضافة إلى الزراعة المستجدة لتعزيز السياحة الريفية.
وتوضح المستشارة الثقافية الصينية أن مثل هذه المشاريع تمت استنادا إلى دعم الحكومة، بالسياسات والمواهب والمال، للمشاريع الثقافية الإبداعية، حتى تتفاعل الأفكار الجديدة مع الأفكار الاجتماعية، فتشجع صناعة الحرف اليدوية، ومشاريع السياحة الريفية؛ من أجل الانتقال إلى الزراعة البيئية والعضوية، وتعزيز الرفاهية العامة، والإسهام بمبادرات مثل إنشاء مكتبة خاصة بالقرية، وحماية بيئة المنطقة.
وتقدم المتحدثة مثالا باستناد إحدى القرى الصينية إلى تراثها الثقافي لتصير قرية دولية للفخار، وأخرى استندت إلى التطريز التبتي، مع تأسيسها رابطة لتشجيع النساء على زيادة دخلهن من خلال مهارات التطريز؛ ثم تطوير جمعية وعلامة تجارية لنشر نوع النسيج الذي يميز هذه القرية، وتحويله إلى منتجات تندمج في الحياة الحديثة، مع إعداد مواقع لبيعها بالمدن الكبرى الصينية، والحفاظ على حقوق الملكية، ما أدى إلى ارتفاع الدخل الشخصي للمطرز، ويمكن أيضا من “حماية الحرف اليدوية، ونقلها (عبر الأجيال)، باستعمالها في منتجات حديثة”.
بدوره قدم ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون الإفريقي الصيني للتنمية، مثالا بقرية صينية كانت له تجربة خاصة فيها، وتحدث عن تكون هذه القرية القديمة الجبلية من لجنة حزبية من أعضاء الحزب الشيوعي للتأطير الحزبي، ولجنة قروية منتخبة للشأن الاقتصادي، “في نوع من الديمقراطية الصينية”.
ووضح المتحدث ذاته أن هذه القرية غير العريقة مقارنة بمحيطها عرفت في بداية الثمانينيات تغيرات عميقة جعلتها “قرية شبحا معزولة” بعد هجرة الشباب ومتوسطي العمر نحو المدن، فضلا عن معاناتها من ضعف الأراضي الفلاحية، قبل أن تتخلص من الفقر وتصير قبلة للسياحة لساكنة المدن الباحثة عن مكان عطلة في الأرياف.
واسترسل بوشيبة شارحا انطلاقا من تجربة هذه القرية كيف دُعم المزارعون الذين كانوا يعانون من الهشاشة والفقر، مع إلغاء ضرائب، من بينها الضرائب الزراعية، ورُكز على البنية التحتية، وإنشاء نظام تغطية اجتماعية خاص بالمزارعين؛ ثم كان على الساكنة المحلية الابتكار والإبداع، مع انكباب مسؤولي اللجنتين، الحزبية والقروية، منذ سنة 2007 على تحديد الميزات التنافسية التي ستعتمد عليها القرية، وهو ما قادهم إلى التركيز على “سياحة الزراعة البيئية للقضاء نهائيا على الفقر”.
ويزيد المتدخل أن تنزيل هذا المقصد تطلب حماية وتثمين البنايات القديمة والأحياء الرئيسية، مع حماية الزراعة والطبخ المحليين، والمناطق الترفيهية، دون أن يعني هذا توقف البحث في الاجتماعات التي تستمر إلى اليوم.
وقدم متدخلون أمثلة بقرى صينية أخرى استندت إلى مميزاتها الثقافية من أجل التعريف بمنطقتها، وتسويق إنتاجها المحلي للسياح أو رقميا بعد انتشار فيروس “كورونا” وقيود التنقل التي رافقت تدابير الحد من انتشاره.
كما ركزت المداخلات على قيمة الفنون والتقاليد الشعبية في التنمية، و”الحاجة إلى التشجيع على الانفتاح على تجارب مثل التجربة الصينية”، مستحضرة مكنونات احتفالات وعادات وتقاليد مغربية، مثل الحكايات، وطريقة الاحتفال بعاشوراء، والصناعات التقليدية من فخار وخزف ونسج سجاد، وموروثات ثقافية من قبيل أحيدوس وأحواش والعيطة، التي يمكنها الإسهام في التنمية بتوظيف “التاريخ العريق في خدمة محاربة الفقر”، مع تعزيز “فرص الحوار المتبادل” والاعتراف.