من بين 23 ملفا موضوعا على طاولة الحوار الاجتماعي القطاعي بين وزارة التربية الوطنية والفرقاء الاجتماعيين، لم تظفر النقابات التعليمية سوى بأربع اتفاقات مع الوزارة الوصية على القطاع غير مُعضّدة بأية محاضر، طيلة مسار مفاوضاتها مع الوزارة في عهد سعيد أمزازي، الوزير الحالي، قبل أن يتوقف الحوار منذ أزيد من سنة، دون تنفيذ القليل مما اتُّفق عليه.
ولم تستطع النقابات التعليمية “الأكثر تمثيلية” أن تدفع وزارة التربية الوطنية إلى الاستجابة لعدد كبير من مطالب الشغيلة التعليمية؛ وهو ما أعاد إلى السطح سؤال موقعها في الدفاع عن نساء ورجال التعليم، خاصة مع تزايد احتجاجاتهم ووقوفهم وجها لوجه أمام السلطات وقوات الأمن العمومي في شوارع العاصمة الرباط.
“الضعف” الذي يسم الجسم النقابي الممثل للشغيلة التعليمية يعكسه التشرذم في صفوفها؛ ذلك أن حتى البلاغات التي تصدرها عقب اجتماعات مسؤوليها مع مسؤولي وزارة التربية الوطنية تكون في الغالب إما بشكل منفرد أو ثنائي، ونادرا ما تصدر بلاغا مشتركا. وتكرّس هذا التشرذم أكثر بعد الاحتجاجات الأخيرة للأساتذة بالرباط، حيث أصدرت ثلاث نقابات بيانا مشتركا وأصدرت نقابات أخرى بيانات انفرادية بشأن تعنيف الأساتذة.
ويؤكد أحمد المنصوري، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للتعليم التابعة للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن الحركة النقابية تتحمل نصيبا من المسؤولية فيما يتعرض له نساء ورجال التعليم، مُرجعا سبب الضعف الذي تعاني منه إلى الأزمة التي تتخبط فيها منذ مطلع الألفية الثالثة عقب ولاية حكومة التناوب التوافقي.
وكان لافتا خلال السنوات الأخيرة إقدام فئات من الشغيلة التعليمية على تأسيس تنسيقيات للدفاع عن أوضاعهم، حيث توجد في الساحة عدد من التنسيقيات التي أسسها نساء ورجال التعليم ولا تربطها أية علاقة بالنقابات.
وفسر المنصوري تأسيس التنسيقيات بأنه نوع من التعبير عن فقدان الثقة في الحركة النقابية؛ غير أنه حمّل المسؤولية أيضا للوزارة، لكونها تحصر الحوار الاجتماعي على ما يُعرف بالنقابات “الأكثر تمثيلية”، والتي اعتبر أنها مجرد “طاحونة بلا طحين” و”الإطفائي الذي يعمل على امتصاص الغضب، ما أدى إلى فقدان الثقة فيها”، مضيفا: “ما يثير استغرابنا أكثر هو أن الوزارة أوصدت الأبواب في وجه نقابات لها قاعدة؛ ولكن مسؤوليها يجالسون على طاولة الحوار جمعيات صغيرة لا تمثل إلا نفسها”.
وأعلن تنسيق نقابي مكون من ثلاث نقابات عن خوض إضراب وطني إنذاري يوم 23 مارس الجاري، ووقفات احتجاجية أمام مقرات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين يوم الـ25 من الشهر ذاته، مع حمل “شارة العضب” ابتداء من غد الاثنين إلى غاية 5 أبريل المقبل، احتجاجا على التعنيف الذي تعرّضت له فئات من نساء ورجال التعليم في العاصمة الرباط الأسبوع المنصرم.
علاقة بذلك، قال أحمد المنصوري إن التعنيف الذي تعرض له نساء ورجال التعليم “مُدان وغير مبرر”، مضيفا: “هذا التعنيف مقصود للنيل من كرامة الأستاذ، وتبخيس أدوراه الطلائعية في المجتمع. وهذه الممارسات لا تسيء إلى الأستاذ فقط؛ بل تسيء إلى المجتمع، وتخدش صورة البلد كله أمام الرأي العام الوطني والدولي في مجال حقوق الإنسان”.
وانتقد الفاعل النقابي تعاطي الحكومة مع مطالب نساء ورجال التعليم، قائلا: “في عهد الحكومتين الحالية والسابقة، لم يتحقق شيء للشغيلة التعليمية التي خاضت أشكالا احتجاجية كثيرة، من مسيرات ووقفات واعتصامات وإضرابات وغيرها من الأشكال الاحتجاجية الحضارية؛ ولكن الحكومة لا تتجاوب مع مطالبهم، وكأنها تبحث عن تصعيد الاحتجاجات”.