عادت ظاهرة “روتيني اليومي”، خلال الفترة الأخيرة، إلى المشهد العام مرة أخرى، لتُثير الجدل بشأن مضامينها عبر المنصات الاجتماعية، حيث انتقد عدة فاعلين المحتوى الذي يتضمن إيحاءات ذات طبيعة جنسية من أجل استقطاب أكثر عدد من المشاهدين.

وتصدّرت مقاطع “روتيني اليومي” قائمة الأشرطة الأكثر مشاهدة على تطبيق “يوتيوب”، حيث توثّق بعض النساء يومياتهن بالصوت والصورة، خاصة ما يتصّل بالمطبخ والتنظيف، وذلك بارتداء ملابس شفافة مع القيام بحركات ذات إيحاءات جنسية أثناء تأدية الواجبات المنزلية.

وأثارت الظاهرة استياء نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لفتوا إلى مساهمة تلك التسجيلات المرئية في تفشي العنف ضد النساء، منبهين، كذلك، إلى تكريسها الصورة النمطية للمرأة في وسائل الإعلام الجديدة، ومشيرين إلى تأثيرها السلبي على الأطفال الذين قد يصادفون هذه الفيديوهات.

وفي سياق متصل، نادت عشرات التعليقات التي تفاعلت مع الموضوع المثير للجدل بإدراج هذه الأشرطة ضمن المحتويات الجنسية التي يجرمها القانون الجنائي المغربي، الذي يعاقب في فصله الـ 483 بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وبغرامة مالية من مائتين إلى خمسمائة درهم، كل من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعرى المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال.

وفيما ركزت أغلب التفاعلات على تحميل النساء اللائي يُنتجن تلك المقاطع المُصورة مسؤولية تدنّي صورة المرأة في المجتمع المغربي، ذهبت أصوات أخرى إلى عمق النقاش، المتمثل في المنظومة المجتمعية “المتأزمة”، متسائلة عن المشاهدات المليونية التي تحصدها الفيديوهات.

وبالنسبة إلى محسن بنزاكور، باحث في علم النفس الاجتماعي، فإن “البعض يتجاوز ما نسمّيها في علم النفس سبل التوازن؛ أي إن لكل إنسان معياراً للإقدام على فعل أو الإحجام عنه، لكن في هذه الحالة يوجد معياران يكسّران الجانب الأخلاقي؛ ويتعلق الأمر بالشهرة والمال”.

لذلك، قال بنزاكور، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الشهرة والمال يغيّبان معايير الثقافة والتنشئة والتقاليد، إذ يدخل الإنسان في حالة نفسية تهدف إلى تلبية الرغبة باستمرار، فكلما وصل إلى رقم معين من المشاهدين يبتغي رقماً أكبر؛ وهو ما نلمسه في التنافس بخصوص المتابعين”.

وأضاف الأستاذ الجامعي أن “الرأي العام بالمفهوم السياسي ليس رزيناً وحكيما، بل يتبع الرغبات فقط، ذلك أن كل الخطابات السياسية تركز على العاطفة، ويمكن أن يقال الأمر نفسه بخصوص وسائل التواصل الجديدة، فكلما كان الموضوع يجلب عاطفيًا كلما ارتفع عدد المشاهدين”.

وأوضح المتحدث أن “السؤال الخطير يطرح بخصوص هذا العدد الهائل من المتابعين، إذ لا يجب إلقاء اللوم على النساء اللائي ينتجن تلك المحتويات، بل على المتابعين أيضا”، متسائلا: “كيف أنتجت الدولة، ومعها المجتمع، هذه الشريحة التي تعاني الفراغ؟”.

وتابع بنزاكور شارحا: “كلاهما عملة واحدة، ويجسدان نفس المنتج الثقافي والاجتماعي، بالنظر إلى التنشئة الاجتماعية المشتركة، لكن الأمر أصبح يدق ناقوس الخطر على مستوى الفكر والسلوك، ويسائل أيضا الجانب القيمي لدى الفرد”، خالصا إلى أن “الظاهرة لها صلة وثيقة بعولمة الاستهلاك”.

hespress.com