تسجّل ورقة سياسات أنّ الفجوة بين الجنسين في الأوساط الأكاديمية المغربية تعتبر “مسألة بارزة بشكل خاص”، وتضيف: “الأبحاث تظهر أن الجامعات المغربية تفتقر بشدة إلى التمثيل النسائي على جميع المستويات”.

ونشرت الورقة، وهي للأكاديميّة سمية بوتخيل، أستاذة الدراسات الإنجليزية ودراسات النّوع الاجتماعي في جامعة محمد الأوّل بوجدة، ضمن تقرير صدر بشراكة بين المعهد المغربيّ لتحليل السّياسات ومعهد بايكر للسّياسات العامّة.

وتقول الورقة إنّه رغم اتخاذ المغرب مجموعة من الإصلاحات التي تستهدف أوضاع المرأة، إلا أن درجة المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين مازالت منخفضة للغاية، فيصنّف المغرب في المرتبة 143 من أصل 153 دولة، مضيفة أنّه “لا يخفى أن تأنيث القطاعات الرئيسية كالتّعليم والصحة والعدل فشل في تقليص الفجوة بين الجنسين، ومعالجة النقص في عدد النساء العاملات في تلك القطاعات”.

كما تذكّر الورقة بأنّ “التّصنيف العالَميّ للبلاد استمر في النّزول منذ سنة 2006، رغمَ التدابير المتخذة لمكافحة التمييز بين الجنسين، مثل: اعتماد الميزانية المراعية للنوع الاجتماعي سنة 2002، واعتماد نظام الحصص في السياسة والقطاعات الأخرى، وإصلاح قانون الأسرة وإضفاء الطابع المؤسسي على المساواة بين الجنسين في الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 في البلاد”.

وتسجّل ورقة الأكاديمية بوتخيل أنّ المغرب لَم يشهد تعيين رئيسة لإحدى الجامعات حتى عام 2002، حين صارت رحمة بورقية أول رئيسة لجامعة مغربية؛ هي جامعة الحسن الثاني بمدينة المحمدية؛ في حين أن جامعتين فقط في الوقت الحاضر تترأّسهما امرأتان، من بين أكثر من 20 جامعة، وهما خديجة الصافي في رئاسة جامعة الحسن الأول- سطات، وعواطف حيار في رئاسة جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.

وتسترسل الورقة مفصّلة في عوامل إضعاف ترشيحات النساء لمناصب المسؤولية الأكاديميّة: “يُنظر إلى هذه المناصب على أنها سياسية، لذا فإن التفوق والتميز ليسا المعيارين الوحيدين لاختيار الرئيس. وتفتقر النساء في كثير من الأحيان إلى الدعم المناسب من الأحزاب السياسية؛ كما لا يوجد نظام حصص ضمن عملية الانتقاء مثلما هو الحال في مناصب صنع القرار في القطاعات الأخرى”.

وتستدعي الأكاديميّة نتائج بحث أُجرِي في جامعة محمد الأول بوجدة، وما أبرزه مِن “مستويات عالية في تهميش النساء، تنعكس ليس فقط على انخفاض تمثيلهن، بنسبة 20 في المائة من أعضاء هيئة التدريس بالكامل، بل أيضا في غيابهن عن الهيئات الإدارية في الجامعة؛ حيث تشغل ثلاث نساء فقط، بنسبة 0.35 في المائة، مناصب في كلية الطب ومجالس الجامعة”.

وانطلاقا من هذه الأرقام تخلص الورقة إلى أنّ “التمييز ضد المرأة في الأوساط الأكاديمية” لا يقتصر فحسب على التعيينات في المناصب الرئيسيّة “بل هو قائم منذ التوظيف وحتى نهاية مسيرتهن المهنية”.

وتقف الورقة عند الإحصائيات الرسمية الصادرة عن التقرير السنوي لوزارة التعليم العالي، لتقول إنّه “رغم نجاح الإناث في جميع مراحل المدرسة الثانوية، إلا أن نسبة التحاقهن بالجامعات تنخفض بشكل كبير مع بدء ظهور الأنماط المهنية المرتبطة بنوع الجنس”.. وهي المشكلة التي تطال حتى الدراسات العليا؛ فـ”لا تشكل النساء ما يقرب من نصف الطلاب المسجلين في التعليم الجامعي في مختلف التخصصات، ثم تنخفض هذه الأرقام بشكل كبير على مستوى الدراسات العليا، وخاصة على مستوى سلك الدكتوراه”.

وترى الأكاديميّة أنّ “عدم التعامل مع هذه المسألة باعتبارها مشكلة سياساتية حقيقية يظهر أن عدم المساواة بين الجنسين في الأوساط الأكاديمية هو بالفعل أمر بعيد عن الحل؛ فيستمر الإقصاء بعد التخرج، إذ يحصل عدد أقل من المرشحات على وظائف دائمة في الأوساط الأكاديمية”، وزادت: “لا يتم تمثيل النساء، بشكل عام، في التعليم العالي على نحو جيد، حيث تسلِّط النسبة المنخفضة لمنصب أستاذ مساعد الضوء على الاعتبار غير المتكافئ الذي تحصل عليه المرشحات من لجان التوظيف”.

وتُخطِّئُ الورقة الافتراض القائل إن “القوانين المتغيرة، ووجود المرأة مستقبلا في الأوساط الأكاديمية، سيؤدي حتما إلى وصولها إلى مناصب صنع القرار”، وتزيد شارحة: “النساء مازلن عالقات في مناصب أدنى حتى بعد 60 عاما من الاستقلال، وعقود بعد الإصلاحات الكبرى، كما أن العديد منهن قد فقدن الحافز والاهتمام بالبحث عن مناصب صنع القرار. وتظهر الأبحاث أيضا أن النساء يقعن ضحايا للصور النمطية؛ وبالتالي من المرجح أن يواجهن عوائق عند حصولهن على وظائف يهيمن عليها الذكور”.

كما تسجّل الورقة أنّ “الافتراض القائل إنه يتم اختيار الرجال بناءً على الجدارة هو أمر قابل للدحض”؛ لأنّ “العديد من النساء في الأوساط الأكاديمية مؤهلات كنظرائهن من الرجال، إن لم يكن أكثر. ومع ذلك، وبسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية، فإن وجود المرأة في المناصب القيادية يظل طُموحا”.

وتقدِّرُ الوثيقة ذاتها أنّ البيروقراطية صارت “أداة لخنق إصرار عضوات هيئة التدريس اللائي يرغبن في أن يحدثن تأثيرا”، مقدّمة مثالا بإغلاق السلطات الإدارية البرامج التي تتولى الإشراف عليها الأستاذات، وخاصة برامج الدراسات المتعلقة بالنوع الاجتماعي، أو رفض تمويلها؛ وهو ما قاد إلى أنّ من أصل ثمانية برامج ماستر (ماجستير) خاصّة بدراسات النوع الاجتماعي، أربعة فقط ظلّت مفتوحة، ومن بين 13 وحدة بحثية في النوع الاجتماعي، أُغلِقَت خمسٌ.

وتزيد الورقة أنّ من بين الإشكالات أيضا “الدعم الضئيل الذي تقدمه الدولة للبحث؛ ما يعني أنّ على النساء في الحقل الأكاديمي في كثير من الأحيان تمويل أبحاثهن الخاصة، ما يضيف قيدا ماليا كبيرا يزيد من تفاقم القدرة على موازنة عبء التدريس مع البحث والأسرة”، إضافة إلى ما تعنيه هيمنة الرجال على الهياكل البحثية من عدم قدرة الأستاذات غالبا على جمع عدد الأعضاء المطلوبين للاعتماد، عندما تقود أستاذة فريقًا بحثيا؛ وهو ما يضطرُّهُنّ لـ”الانضمام إلى الفرق الحالية، حيث تمر إسهاماتهن دون أن يلاحظها أحد”.

كما يتحدّث المصدر ذاته عن ندرة “استدعاء الأستاذات لقيادة لجان مناقشة الأطروحات، أو لجان التعيينات، وعدم انتخابهنّ كعضوات في اللجان العلمية لمؤسساتهن”، ويزيد: “لأن البنية التحتية في الجامعة ضعيفة وذكورية، فإن معظم مكاتب هيئة التدريس يشاركها ثلاثة زملاء أو أكثر، معظمهم من الذكور، وتكون النتيجة غالبا تجمع وازدحام الأستاذات في مساحة ضيقة مع زملائهن الرجال، ما يجبرهن على ترك مكاتبهن بسبب الانزعاج من هذا الأمر”.

وبسبب هذه المعطيات تقول الورقة إنّ الأستاذات يتجنّبن “المواجهة مع الإدارة ويستسلمن للتركيز على التدريس، ما يعزز التصور بأنهن غير مؤهلات لتحمل مسؤوليات تتجاوز التدريس”، إضافة إلى أنّ “الهجمات على الأستاذات الطموحات” لا ينتج عنها “تعبير عن التضامن بين الزميلات، بل عداء أو غيرة تجاه ضحايا هذا التمييز”، مردفة: “في غياب ثقافة تعترف بكفاءة المرأة، تصير هذه الأخيرة في الأوساط الأكاديمية ضحية لطموحها، ويُنظر إليها على أنها طرف معاد، في عزلة عن زملائها الآخرين”.

وتسجّل ورقة السياسات أنّ “غياب المرأة عن مناصب صنع القرار في الجامعات سيكون له تأثير سلبي على الأجيال القادمة؛ لأنها سترسخ النظام الذكوري القائم”.. كما سيكون لهذه المشكلة “تأثير واسع النطاق على تنمية المغرب”، مع ما تظهره الدراسات من انخفاض كبير في ثروة رأس المال البشري بسبب عدم المساواة بين الجنسين.

وتعدّد الوثيقة ذاتها مجموعة من الخطوات التي يمكن اتّخاذها حكوميّا للإسهام في علاج الفجوة بين الجنسين في الوسط الأكاديميّ بالمغرب، مثل: “مواءمة الإستراتيجيات نحو المساواة بين الجنسين في جميع مستويات إدارة التعليم العالي، وإدخال نظام الحصص الإلزامي في الهيئات الإدارية بالجامعة، وتشكيل الميزانية العامة للجامعة من منظور يراعي نوع الجنس، وإنشاء حرم جامعي آمن للنساء، وإنشاء تحالف وطني للمرأة في الأوساط الأكاديمية بالمغرب”.

hespress.com