مع تعدّد التّوقّعات حول حالة الطّوارئ الصحية وكيفية تدبير تزايد حالات الإصابة بعد تخفيف الحَجر الصّحّيّ، يبقى الثّابتُ استمرارَ تضرّر فئات من العمّال المغاربة المشتغِلين بالقطاع غير المهيكل.

ومن بين المواطنين الواقفين في الصّفّوف الأولى المتضرّرة من جائحة “كورونا” واختياراتِ تدبيرها، “الفَرَّاشَة”، أي الباعة الذين يعرضون سلعهم على الأرض، بعد إتمامِهم الشّهر الخامس من التّوقّف التّامّ عن العمل.

“الشهر الخامس وأنا دون مدخول وكأننا صرنا عاطلين عن العمل”، “هل يفكرون في الناس؟”، “لا يهتمّون بالمسكين، لا يريدوننا أن نبيع في الشارع، ولنَذْهَب إلى عمل آخر”، بهذه الكلمات المعبرة يشكو بائع أربعينيّ للآلات المستعملَة في الأسواق الأسبوعية ربّ أسرة ما يحسّ به من ظلم.

ويتراوح هامش ربح باعة “الخردة”، “الجوطيّة” أو “البال”، أي سوق الأشياء المستعملة، بين بضعة دراهم وما يجاوِزُ مائة درهم بقدر يسير، ورغم اشتغال بعضهم خلال أيّام الأسبوع، إلا أنّ صباح يوم الأحد هو موعدهم الأساسي في العديد من مدن وقرى المملكة.

وسبق أن نقلَت هسبريس صوت احتجاجات مشتغلين بـ”السّوق الشّعبيّ” ببني خلف، قرب المحمّديّة، منعوا من بيع آلاتهم المستعملة رغم اشتغال الأسواق الأخرى الخاصّة بالخضراوات والفواكه وما جاورها.

وبنبرات حادّة، وصوت متقطّع، وتعبيرات يخالِطُها إجهاش بالبكاء حتى، يتساءل هؤلاء الباعة: “ما البديل؟”، مستنكرين ما شبَّهُوهُ بالخَديعة بعد التزامهم بالحَجر الصّحّيّ، قبل أن يُمْنَعُوا موردَ رزقِهِمُ الوحيد.

من مدينة مكناس المعروفة بسوقَين أسبوعيّين بارزين، يستنكر “فرّاشة” إغلاق مورد عيشهم الوحيد، وطردهم، وغياب الجدية في الخطاب باستمرار تقديم وعود بفتح الأسواق بعد 15 أو عشرين يوما، ليتكرّر، كلّما اقترب الموعد، الوعد نفسه.

وسبق أن حاول هؤلاء “الفرَّاشَة” العودة إلى “مقرّات” عملهم المفتوحِ سقفُها على السّماء بعد تخفيف تدابير الحَجر الصّحّيّ، لكنّ أملهم تكسّر على مرأى هراوات رجال القوّات المساعدة، فاستنكروا، إلى أن نال منهم لظى شمس صيفِ مكناسةَ، فعادوا إلى أسرِهم حاملين “قَجاقِلَهُم”، وخيبتهم، وهَمَّ جيبِهم الفارِغ.

“كلشي ڭالس، لا خدمة لا ردمة، قتلوا مكناس، والتاجر لا شيء لديه ولا مدخول له ولا مهنة أخرى، وإذا أراد أن يفرّش بضاعته يُطرَد”، ويضيف المصرِّحُ بنبرة استنكارية في حديث مع هسبريس: “ما الذي سيفعله “الفرّاش”!؟ نسرِق؟”.

ووفق آخر تقارير المندوبية السّامية للتّخطيط، فبين الفصل الثاني من سنة 2019 والفترة نفسها من السنة الجارية، فُقِدَ أزيدُ من نصف مليون منصب شغل، في معدّلٍ سابق لم يشهده المغرب منذ النصف الثاني من سنة 2001. علما أنّ المتوسّط السّنوي لخلق مناصب الشغل خلال السّنوات الثّلاث الماضية هو 64 ألفا.

وبعد التزامهم بالحَجر، ولزومِهم بيوتهم رغم قِلّة ذاتِ اليد، يُعبّر هؤلاء المغاربة عن إحساسِهِم بأنّه قد تمّ “استغفالهم”، وأنّ فترة التزامِهِم قدِ استُثمرت في إبعادهم من السّاحات التي كانوا يعملون بها.

وجوابا على سؤال لهسبريس عن مساعدات صندوق تدبير “الجائحة”، يقول أحد ممتهِني بيع الآلات والأدوات المستعمَلَة: “أين الدعم؟ هناك من توصل به، وهناك من لم يتوصّل به، والكهرباء لوحده توصّل البعضُ بفاتورة عنه بلغت أكثرَ من 500 درهم، وهناك من لديه محلّ مغلق وتوصل بفاتورة 300 درهم! فضلا عن العيد (…) ما الذي سيغطّيه دعم بألف درهم؟” ثم يزيد: “ليَتْركونا نبيع ونشتري أحسن من هذا، يوم الأحد كنا نبيع، ونترزّق الله”.

ومع انتشار روايات عديدة في صفوف “الفَرّاشَة” بعدما ووجِهَت محاولاتهُم لاستئنافَ عملِهِم بالمنع، من بينها أنّ هذه محاولة قتل لـ”أصحاب الجّوطيّة” تصبُّ في مصلحة “الأسواق الكبرى”، لا تبقى لهؤلاء المواطنين، الذين لا موردَ لهم يحفَظ كرامتهم إلّا القطاع غيرُ المهيكل، سِوى الكلماتُ المكلومَة: “جاتْهُم مزيانَة، باش يمنعو التّفْريش… ومَاشْغْلْهُومْشْ في المسكين”.

hespress.com