كادت قضية اغتصاب الطفلة إكرام تُطوَ دون أن يصل صداها لا إلى المحكمة ولا إلى الرأي العام الوطني، بعد أن تعرّض أبوها وأمها لضغوط قوية من طرف محيطهما العائلي بغية عدم تقديم أي شكاية ضد مغتصب طفلتهما الصغيرة، “تجنّبا لإلحاق العار بالأسرة”، كون المنطقة تتميز بالطابع المحافظ لأهاليها.

محاولة طمس القضية

تعرض والدا الطفلة إكرام، ذات الخمس سنوات، لضغط كبير من طرف أفراد من عائلتيهما المقربين، وفق إفادة المحامي بكار السباعي، الذي وكّله “منتدى إفوس للديمقراطية وحقوق الإنسان” لمؤازرة الطفلة الضحية، مشيرا إلى أن الضغط الذي تعرض له الأبوان الشابان كان نتيجة سيادة ثقافةٍ محافظة في المنطقة، ما يجعل أهاليها يتعاملون مع جرائم العِرض بحساسية شديدة.

ويتابع الرأي العام المغربي باهتمام كبير قضية تعرُّض الطفلة إكرام لاعتداء جنسي في دوار “إيمي أوكادير”، في فم الحصن بطاطا، بعد أن سبق لقاضي التحقيق في محكمة الاستئناف بأكادير أن متّع المتهم بالسراح المؤقت، قبل أن تطعن النيابة العامة في القرار نتيجة ردود الفعل الغاضبة التي أعقبت إطلاق سراحه، وتأمُرَ بمتابعته في حالة اعتقال.

وقال بكار السباعي، المحامي بهيئة أكادير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن أب الطفلة إكرام تعرض لضغوط قوية من طرف محيطه العائلي ومن طرف بعض أقاربه، “مخافة انتشار الفضيحة”، كما هو مترسخ في ثقافة أهل المنطقة، على اعتبار أن البنت إذا تعرضت للاغتصاب يظل ذلك يلاحقها طيلة حياتها.

واضطرت أسرة الطفلة إكرام إلى مغادرة البيت الذي كانت تقطنه بطلب من “منتدى إفوس للديمقراطية وحقوق الإنسان”، من أجل الابتعاد عن بيت المتهم جارِ الأسرة، تلافيا لأي حساسيات بين العائلتين، وأيضا تخفيفا للضغط النفسي عن الأبوين الشابين وعن طفلتهما المغتصبة.

وقال مبارك أوتشرفت، رئيس “منتدى إفوس للديمقراطية وحقوق الإنسان”، في تصريح لهسبريس، إن المنتدى طلب من أبويْ إكرام تغيير مسكنهما، واقترح عليهما مغادرة البلدة ككل، والانتقال إلى مدينة تزنيت أو أكادير، لكنّ ذلك لم يتيسّر، وانتقلا فقط إلى بيت آخر في الدوار نفسه وفّره لهما أحد المحسنين.

واعتبر المحامي السباعي أن إطلاق سراح المتهم، الذي ستنطلق أولى جلسات محاكمته يوم 23 يوليوز المقبل، كان خطأ، “لأنّ القضاء هو المسؤول الأول عن حماية القاصرين”، معتبرا أن تدخل النيابة العامة وأمْرَها بإعادة اعتقال المتهم وتقديمه في اليوم نفسه الذي اعتُقل فيه، “يُعد مكسبا حقوقيا يعود فيه الفضل للهيئات الحقوقية التي تعدّ فاعلا استراتيجيا لتوفير الأمن القضائي للمواطنين”.

وشدّد محامي الطفلة إكرام على ضرورة سنّ نص قانوني واضح يحدد معايير صارمة تراعي المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حماية الطفولة، من أجل تضييق مجال تمتيع المتهمين باغتصاب الأطفال بالسراح المؤقت، “حتى تظل هذه الآلية في منأى عن المزاجية، وسدّا لأي ثغرات يمكن استغلالها للتوسع في تفسير الحالات المسموح فيها بالسراح”.

وجوابا على سؤال حول احتمال أن تؤدي الضغوط التي يتعرض لها أب الطفلة إكرام إلى تنازله من جديد، قال السباعي: “أؤكد أولا أن القضاء هو الوحيد الذي سيتوصل إلى الحقيقة في هذه القضية، فالقاعدة القانونية هي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن لا يمكن أن يحدث أي تراجع عن المسطرة، لأن القضاء مفروض عليه أن يحمي حقوق أي طفل مغتصب وعدم ترك مصير هذه الفئة الهشة لمزاجية الآباء”.

رعاية نفسية

وإذا كانت النيابة العامة قد أعادت متابعة المتهم باغتصاب إكرام إلى مَجراها الطبيعي، فإن الضحية بحاجة، موازاة مع حماية حقوقها، إلى رعاية نفسية لتجاوز آثار الصدمة التي خلفها تعرضها للاعتداء الجنسي على نفسيتها؛ إذ يرتقب أن تخضع لعلاج نفسي عما قريب، تعذّرت مباشرته أثناء وقوع الواقعة بسبب حالة الطوارئ الصحية.

وكلّف “منتدى إفوس للديمقراطية وحقوق الإنسان” الأخصائية النفسية الغالية أبنوح، المسؤولة عن مركز الاستماع ببيت المواطن لمناهضة العنف ضد النساء والأطفال، التابع للمنتدى المذكور، بتوفير الرعاية النفسية للطفلة الضحية.

وقالت الغالية أبنوح، في تصريح لهسبريس، إنها تواصلت عبر الهاتف مع أمّ وأب الطفلة الضحية للحصول على المعلومات الكافية حول واقعة اغتصاب طفلتهما، وقدّمت لهما دعما نفسيا ونصائح وإرشادات لتخفيف آثار الواقعة على نفسيتهما، وكذا إرشادات حول التعامل مع طفلتهما من أجل التخفيف عنها.

وأوضحت أبنوح أنها اتفقت مع أبوي الطفلة إكرام على برمجة حصص للدعم النفسي المباشر لها، ستبدأ قريبا، بعد أن تم تخفيق حالة الطوارئ الصحية، مشيرة إلى أن حوادث الاغتصاب تخلف آثارا وخيمة على نفسية الأطفال، سواء على المدى القريب أو البعيد، وهو ما يحتّم إحاطتهم بالرعاية النفسية.

في السياق نفسه، أكد مبارك أوتشرفت أن الطفلة إكرام بحاجة ماسة إلى رعاية نفسية لتجاوز صدمة الاعتداء الجنسي عليها، خاصة وأن أسرتها تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية الهشة، مشيرا إلى أن إكرام كانت طفلة نشيطة قبل تعرضها للاغتصاب، وكانت تقوم بأنشطة كالرسم، بمساعدة أمها الحاصلة على شهادة الباكالوريا.

من جهته، شدد المحامي السباعي على ضرورة توفير الرعاية النفسية للأطفال المغتصبين، لمساعدتهم على تجاوز صدمة الاغتصاب التي قد تترك آثارا لا تمحى على نفسياتهم إذا لم يخضعوا لرعاية من طرف أطباء مختصين، مشيرا في هذا الإطار إلى أن “سفاح تارودانت”، الذي اغتصب عددا من الأطفال وقتلهم، صرّح أثناء استنطاقه بأنه كان ضحية لاعتداءات جنسية متكررة في طفولته، وفُسّر ما فعله عندما كبُر بنوع من الانتقام من المجتمع.

hespress.com