انطلاقا من تجربة 25 سنة داخل تنظيم العدل والإحسان بطنجة، كتب عضو سابق في الجماعة عن “الطاغوت التنظيميّ” الذي أهلكه وأهلك عديدين قبله، وأنتج جيلا من “المرضى النفسانيين”، بفعل تغوّل بعض الأعضاء الذين دمّر سلوكهم “حياة كثير من الطيّبين”.
جاء هذا في كتاب عنون بـ”من الإحسان إلى المصلحيّة”، ألفه فوزي أكريم، وقدّم فيه على أزيد من 500 صفحة “تجربة 25 سنة من العمل في صفوف تنظيم العدل والإحسان بطنجة”، وفق نصّ عمله.
وسجّل الكاتب أنّ ما يريده هو أن يسير العمل التنظيميّ والدعويّ الإسلامي قُدما “في محجّة الإصلاح الحقيقيّ، ويخرج من براثن المصلحيّة الضّيّقة”، ولذلك تحدّث حتى لا يصير واحدا ممّن رموا جانبا، وسكتوا، وماتوا وذهبوا دون أن يدري بهم أحد، وضاعت تراكماتهم التربوية والسياسية والتنظيمية والفكرية.
ويتطلّب هذا المقصد، وفق فوزي أكريم: “وقف زحف ضباع التنظيم المتوحّشة، الهاجمة على معاقل التربية والصحبة والتنظيم والنفوذ السياسي، ثمّ تخليق العمل الإسلامي السياسي والدعويّ بما يتناسب مع الطرح الشرعي في أصوله الدينية والأخلاقية المستمدّة من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهّرة، والأخلاق الإنسانية السامية”؛ لإنقاذ “الأجيال المقبلة من مطبّات التنظيم الإسلامي، وحفره المهلكة، والمقصلة الاجتماعيّة والتربويّة والتنظيميّة والسياسية التي ينتهي إليها أغلب الفاعلين فيه”.
ويحكي هذا المؤلَّف رؤية كاتبه لكيفية تحوّل تنظيم العدل والإحسان الإسلامي من “هدف تحقيق الغايات السامية كمعرفة الله وعبادته والتقرّب إليه، والبرّ بالإنسان، والسهر على حسن معاملته، والرحمة به، والإحسان إليه، ونيل حقوقه” إلى “هدف مصلحيّ ضيّق متمثّل في عبادة السّلطة، وتبعيّة المصلحة الشخصيّة والتنظيميّة”.
ووقف الكاتب عند مجموعة من المتناقضات التي يعرفها الداخل التنظيميّ للجماعة، والتي تخالف في أحيان كثيرة المنهاج النبويّ والأمر الرباني، ليجد المنتمي نفسه “في خِضمّ التنظيم الإسلامي في مشاريع سلطويّة، ومصالح شخصيّة، واستقطابات مذهبيّة لا علاقة لها بتاتا بالشّعارات المرفوعة أمام الداخل والخارج”.
وسجّل الكاتب أنّه يروم من الكتابة مساعدة “الأجيال المقبلة على تجاوز المهالك المزروعة في ميدان العمل التنظيميّ داخل صفوف التنظيمات الإسلامية”، ومحاولة “تقويم هياكله التنظيمية”.
وقال المؤلِّف في حديث عن أثر كتابه على علاقته بمحيطه: “إنّنا نكاد ننتحر سياسيا واجتماعيّا عندما نقف أمام تنظيم إسلامي جبار بإمكانات بشرية وماليّة واجتماعية قوية (…) والحال يشهد أنّه لم يعد لنا أي شيء نخسره، ولا أيّة فرصة للتواصل والحوار، فأكيد أن الانتحار الكلي سيكون أحلى، وكيف لا (…) والذين كنا نظنّهم من إخوان الآخرة وجدناهم ساعة الحقيقة ذئابا بشريّة”.
وأضاف أنّه “لا يوجّه اللوم إلى جماعة العدل والإحسان ككلّ بل إلى تنظيمها فقط”؛ لأنّ “الجماعة من المنظور العامّ فكرة سامية لا يمكن هدمها أو الانتقاص من مكانتها، بما أنّ رسول الله حضّ على الجماعة ونهى عن الفرقة”.
واستدرك الكاتب موضّحا بأن “جماعة العدل والإحسان تبقى في أصلها محضنا تربويّا على غرار الكثير من الجماعات الإسلامية الصوفيّة والحركيّة التي تجمع الناس على الله، وعلى إعلاء كلمة الله”، فضلا عمّا يستمرّ في ربطه بكثير من الناشطين في الجماعة من “روابط المحبّة والأخوّة والتواصي بالخير”.
ولا يدعو الكاتب إلى “التشاؤم والهروب من الميدان”، لأنّه في الواقع توجد “مروءات وهمم عالية تعمل لله في الخفاء والعلانيّة، تحتاج من يشدّ عضدها ويشعل حماسها، ويرفع معنويّاتها، ويؤنس غربتها، ويحمل معها أعباء تاريخ مثقل بخيبات الأمل، ورواسب الفساد المستشري من الرأس إلى الساس في هياكل المؤسّسات وتشعّبات المجتمع”، بل هي إثارة للانتباه إلى “حجم الدمار الذي يخلّفه السكوت بحجّة الحفاظ على البيضة، وحجم الخراب الذي يسبّبه الخنوع الذي يترك الباب مفتوحا أمام مخرومي المروءة ليدخلوا منه نادي المسؤولية ويُذلّوا بعد ذلك رقاب الرجال”.
ومن بين ما وقف عنده هذا الكتاب، خطر “احتكار الفهم” من الأوصياء على الدعوة المتحجّجين بـ”الشرعية التاريخية” رغم أنّ تخليهم عن السلطة بعد عمر طويل هو عين الحكمة، بينما ما رآه هو “مشهد بشع” كانت تتمّ فيه محاولة “طمس هوية كل شاب طموح، وشخصيته، وحقه في التعبير والاقتراح”، وهو ما دفع الكاتب إلى الدعوة إلى “التجديد التنظيميّ الداخلي”، بتجديد الدماء، ويرى أنّه يجب أن تضطلع به الهياكل التنظيميّة المبنيّة على أسس الشورى.
ويتطلّب هذا المطلب تغيير طريقة التفكير، حَسَب الكاتب، وتجديد طريقة العمل، واستبدال القائمين على التنظيم كلّ حين، وأن تتداول فيه السلطة بسلاسة من جيل إلى جيل دون وصاية فرد أو جهاز، متسائلا: “كيف لا يقبل تنظيم قزم صغير أن يجدّد في ترسانته المؤسساتيّة والقانونية، ويغيّر من قياداته الجاثمة على صدور المؤمنين عقودا طويلة، ثم يطالب بكلّ صفاقة وجهِ، صباح مساء، الأنظمة السياسية الحاكمة بتجديدِ هياكلها وقوانينها السياسية القائمة؟”.