مُتوقفة آخر محطاتها الكبرى عند فترة ما قبل الجائحة، استكانت الحركة الاحتجاجية بدورها إلى سياقات الحذر في ظل الظرفية الاستثنائية التي تعيشها البلاد؛ فباستثناء خرجات رجال ونساء التعليم، لا أحد حرك ساكنا على امتداد الأشهر الماضية في نقاط الاحتجاج المعروفة.

ورغم منع القوة العمومية لبعض الأشكال المحتشمة في قضايا متفرقة، إلا أن حجم الحضور وصيت الاحتجاجات ظل محدودا، كما أن ذكرى وفاة شرارة حراك الريف محسن فكري تحل هذه السنة بشكل رمزي، واعتمدت أساسا على ورود وتحايا.

وشكلت وقفات الأساتذة والدكاترة المعطلين استثناء في زمن الجائحة، فقد اضطر الأمنيون إلى استخدام القوة مرة لتفريق الجموع المحتشدة فئويا؛ لكن على المستوى التضامني الحقوقي غابت الاحتجاجات رغم حلول العديد من التواريخ التي اعتادت فيها العاصمة تنظيم وقفات ومسيرات.

غياب الحوار

عبد الوهاب السحيمي، منسق احتجاجات الأساتذة حاملي الشهادات، يقول إن الجائحة الحالية قيدت كثيرا تحركات الحركة الحقوقية، مقرا بكون الحكومة تحاول استغلال الظروف الحالية “لتمرير مجموعة قوانين ومعطيات مشؤومة دون غضب في الشارع”.

وأضاف السحيمي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن المشكلة الحقيقية في البلاد تكمن أساسا في غياب الحوار وطغيان المزاجية، مؤكدا أنه في حالة تقعيد التفاوض لن يكون أحد في حاجة إلى الشارع، لكن الحكومة لها رأي آخر في هذا الموضوع.

وأشار الفاعل النقابي إلى أن التراجع ملموس لكنه لا يعود فقط إلى الجائحة، إذ جرى منع العديد من الأشكال الاحتجاجية، خصوصا لرجال ونساء التعليم، “الذين يعانون مع وضع بئيس عمقه صمت وزير التربية الوطنية ورفضه فتح باب الحوار”.

احتجاجات افتراضية

عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، سجل أنه من البديهي أن تخفت الاحتجاجات خلال الجائحة، خاصة مع فرض الطوارئ والتباعد الاجتماعي، ومنع التجمعات، “إلا أن خفوت الاحتجاجات في الساحات قابله تصاعد لافت للاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، على حد قوله.

وأصبحت المنابر المرئية الافتراضية، مثل “يوتيوب” و”فيسبوك” و”تيكتوك”، ساحة للتعبير عن السخط، وفق المصرح لجريدة هسبريس، فضلا عن كونها مرتعا لظواهر أخرى، لذلك فخفوت الاحتجاجات لا يعني تنازل الناس عن مطالبهم.

ونبه الخضري إلى أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية للمواطنين المغاربة قد ينذر بنشوب احتجاجات غير مسبوقة بعدما يرفع الله عنا هذا الوباء، ولذلك يعتقد أن “غياب قنوات للحوار ذات مصداقية يشكل خطرا حقيقيا على السلم والأمن الاجتماعيين”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “عدم الاكتراث بمطالب المواطنين وقمع الاحتجاجات لا يحل الإشكالات القائمة بل يزيدها تعقيدا، وأفضل حل يكمن في فتح قنوات الحوار وإشراك النخب المحلية في استشراف الحلول الممكنة من أجل تنمية ديمقراطية”.

وطالب الخضري، ضمن التصريح ذاته، بمزيد من فك العزلة المعرفية وكبح جماح الفساد والاستبداد، “حتى يتسنى بناء الثقة بين الدولة والمواطن، بما يمكن من مواجهة تحديات بناء دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل فعال”.

hespress.com