لم يستطع تقرير لجنة النموذج التنموي الخروج بموقف حدي من قضايا الحريات الفردية، التي خصص لها الأعضاء حيزا مهما لكنهم اكتفوا باستعراض مواقف معروفة، ومطالب باستحضار جميع جوانب الظواهر.

وتطرق تقرير المجلس لقضايا خلافية متفرقة من الإجهاض والعلاقات الرضائية والإرث، لكنه احتفظ بمبدأ العمومية في النقاش بتغييبه مواقف حاسمة ودعاوى نحو سلك طريق معينة.

وأقرت لجنة نموذج التنمية 2035 بضبابية نقاش الحريات الفردية بالمغرب، لكن بدورها سارت على المنوال نفسه، باستثناء قضية أبوة الابن، التي اعتبرت استخدام الجينات أداة أساسية للحسم فيها.

وكشف التقرير أنّ الحريات الفردية بالمغرب تتسم بنوع من الغموض، حيث لا يتم التطرق إلى عدد من المواضيع المتصلة بها في الفضاء العمومي رغم أن المجتمع يشهد تحولات جذرية.

ومن أمثلة نقاش يصعب تداوله على العموم بعلة “مصلحة المواطنة والمواطن”: مسألة الاغتصاب بين الزوجين وقضية الإجهاض والعلاقات الجنسية الرضائية.

تردد تراجعي

أحمد عصيد، الكاتب والحقوقي المغربي، اعتبر أن اللجنة “وقعت في التناقض نفسه الذي تم افتعاله في دستور 2011، ما أوقع النموذج التنموي في الثنائية المتناقضة نفسها التي تطبع النصوص المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان”.

واعتبر عصيد أن “الحقوقيين يعرفون جيدا معنى ‘القيم الكونية المتعارف عليها عالميا’، ومضمون الاتفاقيات الدولية، إلا أنهم لا يعرفون بوضوح معنى ‘القيم الأصيلة للمملكة’، هل المقصود بها القيم التقليدية للمجتمع المغربي أم قيم السلطة”.

وأضاف المتحدث ذاته، في تصريحه لهسبريس، أنه “إذا كان المقصود هو العادات والتقاليد فإن الذين صاغوا التقرير يقعون في السكيزوفرينيا المعتادة”، متأسفا لاعتقاده أن هذه اللجنة “ستخرج أخيرا من الازدواجية والتناقض وحالة الفصام”.

وأشار الحقوقي المغربي إلى أن “القيم المسماة ‘أصيلة’ لم يتم الاشتغال عليها بما يكفي حتى تلائم الكونية، فظلت خصوصية مغلقة ومناقضة لما هو كوني، إذ تجعل الحريات محدودة بالتقاليد المحافظة، وليس بحدود الحريات المتعارف عليها في حقوق الإنسان”.

وتساءل المتحدث عما تقصده اللجنة بـ”القيم الأصيلة للمملكة”، حتى يفهم مقدار الانسجام في الرؤية التي يقترحها التقرير، مسجلا أن “الأعضاء اشتكوا من انعدام الانسجام في العديد من السياسات العمومية، وها هم يقعون في التناقض ولا يحسمون في الاختيار”.

“ولعل أعضاء اللجنة أو الذين راقبوا عملها عن كثب من داخل دواليب السلطة اعتبروا أن النموذج لا ينبغي أن يتعدى السقف المتعارف عليه، الذي يخلط دائما بين التزام الدولة بحقوق الإنسان وبين التقاليد الأصيلة المحافظة، وهو أمر غير ممكن بالطبع”، يقول عصيد.

وأكمل الحقوقي ذاته بأن “هذا لا يؤدي إلى أي تطور وتكون ضحيته دائما الحريات؛ أما الطاقات الشابة فلا يمكن تحريرها بمثل هذه التناقضات، بل لا بد من إقرار الحريات الفعلية، لأن اختيار الأفراد لنمط حياتهم يساهم بشكل ملحوظ في رفع إنتاجيتهم وشحذ قدراتهم على الإبداع”، وفق تعبيره.

النقاش ضروري

لحسن بن إبراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي للصخيرات تمارة، أورد أن “هذا الموضوع ليس مجالا للانطباعات، فهو ناتج عن استفسارات ولقاءات ونقاشات، وهو عمل دال على جهد كبير”.

واعتبر السكنفل، في تصريح لهسبريس، أن “كل شيء قابل للطرح وللنقاش في إطار احترام مقدسات البلاد الدينية والثقافية والحضارية”، مشيرا إلى أن “الإجهاض موضوع قديم جديد، والأصل فيه أنه حرام، لأنه قتل للنفس بدون وجه حق؛ إلا أن هناك حالات يجوز فيها، فصلها العلماء والفقهاء، ومنها الحفاظ على حياة الأم وصحتها، والحمل الناتج عن الاغتصاب وزنا المحارم، وتبقى أمور أخرى ناشئة عن واقع المجتمع تستدعي البحث والحوار”، وفق تعبيره.

وزاد السكنفل: “لا بد من إشراك كل المهتمين مع ضرورة الاحترام المتبادل بين هذه الأطراف والاستماع إلى كل الآراء دون مقاطعة، ودون إلزام برأي غير متفق عليه استحضارا للمصلحة العامة للبلد وللمواطنين”.

وأكمل المتحدث شارحا فكرته: “حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله ما لم تناقض هذه المصلحة نصا شرعيا قطعي الدلالة قطعي الثبوت، ولا أصلا كليا من كليات الدين”.

hespress.com