أوصت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي قدمت تقريرها للملك محمد السادس بداية الأسبوع الجاري، بمواصلة النقاش الذي انطلق سنة 2015 حول الإجهاض بشكل رصين وعلمي لإعداد تشريع يتسم بالمرونة وينص على الأخلاقيات ويحترم التعاليم الدينية السمحة وحق الجنين في الحياة والحفاظ على الصحة البدنية والنفسية للمرأة.
وتقصد اللجنة، التي أنهت أشغالها بعد عقدها لجلسات إنصات واستماع عبر ربوع المملكة، بنقاش 2015 حين كلف الملك محمد السادس وزارة العدل ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالقيام باستشارات موسعة بخصوص إشكالية الإجهاض.
وكانت تلك الاستشارات قد خلصت إلى إتاحة الإجهاض في ثلاث حالات؛ عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها، وحالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، وحالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين، لكن مشروع تعديل القانون الجنائي لإتاحة هذه الحالات لا يزال معلقا في البرلمان.
وتضمن التقرير العام للنموذج التنموي الجديد، الذي أصدرته اللجنة برئاسة شكيب بنموسى، محورا يهم إدماج جميع المغاربة في دينامية خلق الثروة، وضمنه خيارات عديدة تهم دعم استقلالية النساء وضمان المساواة بين الجنسين والمشاركة وجاء فيها عدد من المقترحات والتوصيات.
وأوردت اللجنة أن النموذج التنموي المقترح لمغرب المستقبل يهدف إلى تعزيز حقوق النساء في ارتباط بمبادئ الدستور، وفي هذا الصدد اقتراح إعمال فضائل الاجتهاد فيما يخص المفاهيم الدينية بما يتماشى مع السياق الحالي وتطورات المجتمع.
واقترحت اللجنة العمل على خلق الانسجام بين المنظومة التشريعية والقانونية في مجملها والمبادئ الدستورية الهادفة إلى المساواة في الحقوق المناصفة، كما دعت إلى خلق فضاءات للنقاش المجتمعي والفقهي باعتباره إطارا هادئا ورصينا قصد التقدم في مناقشة بعض القضايا المجتمعية.
وذكر التقرير العام بعضا من القضايا المجتمعية التي تحتاج إلى النقاش المجتمعي والفقهي، على رأسها الإجهاض والوضع القانوني للأمهات العازبات وزواج القاصرات والولاية القانونية على الأطفال، وذلك بمشاركة ممثلي الهيئات الدينية والفاعلين المعنيين بالمجتمع المدني والخبراء.
وبالإضافة إلى مواصلة نقاش الإجهاض، دعت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي إلى إقرار مسؤولية الأب في حالة ولادة طفل خارج إطار الزواج واعتماد التقنيات والاختبارات الجينية، وتدقيق وتقييد السلطة الممنوحة للقضاة فيما يخص الترخيص بزواج القاصرات.
كما تضمن التقرير توصيات بإعطاء الولاية القانونية على الأطفال للوالدين معا. وبخصوص الإرث، رأى خبراء اللجنة أنه يمكن التفكير في ألا يكون التعصيب خيارا تلقائيا وإنما دراسة الإمكانية، في إطار الهيئات المؤهلة، في أن يتم إخضاع تطبيقه لتقدير القضاة حسب كل حالة.
ويعتبر الحد من الفوارق بين الرجال والنساء فيما يخص الولوج للشغل أحد الرهانات الكبرى للمغرب الحديث، حيث أشار التقرير إلى أن ذلك سيساهم في الرفع من الناتج الداخلي الخام بنسبة تتراوح بين 0,2 و1,95 في المائة، وفضلا عن انعكاساته الاقتصادية الاجتماعية، تم التشديد على أن المساواة بين الجنسين والمشاركة النسائية تعتبر من الشروط الضرورية لمجتمع منفتح ومتماسك ومتضامن.
ومن أجل توسيع مشاركة النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فإن المغرب مطالب بالعمل على ثلاث رافعات أساسية؛ أولاها رفع الإكراهات الاجتماعية التي تحد من مشاركة النساء من خلال تعزيز الحماية الاجتماعية للنساء النشيطات والمساواة في الأجر وتطوير الخدمات والبنيات التحتية.
وتشير الرافعة الأساسية الثانية إلى ضرورة دعم آليات التربية والتكوين والإدماج والمواكبة والتمويل المخصصة للنساء، وذلك يمكن أن يتأتى من خلال دعم مكثف لمجهودات محاربة الأمية والهدر المدرسي للبنات في التعليم الإعدادي والثانوي. كما يتطلب الأمر حماية المرتبطة بالرأسمال والعقار لا سيما بمواصلة مبادرات تمليك أراضي الجموع لفائدة النساء القرويات، ناهيك عن إنعاش المقاولة النسائية من خلال تحسين الولوج للتمويل والدعم العمومي.
أما الرافعة الثالثة، فتشمل النهوض بقيم المساواة والمناصفة وتنميتها وعدم التسامح كليا مع كافة أشكال العنف والتمييز إزاء المرأة؛ وذلك من خلال أنشطة تحسيسية منذ سن مبكرة لتغيير التمثلات بشأن دور المرأة داخل المجتمع، ودعم هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، ودعم التكفل بالنساء ضحايا العنف، وحماية النساء في الفضاءات وسائل النقل العمومية.