بعد الخلاف الكبير الذي انتهتْ على وقعه علاقة مؤسسات التعليم الخصوصي وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ خلال السنة الدراسية المنتهية بسبب واجبات التمدرس، والذي مازال مستمرا إلى اليوم، شرعت بعض المدارس الخاصة في “تطويق” أسر التلاميذ ببنودٍ جديدة في عقود التسجيل برسم الموسم الدراسي المقبل، تُلزمهم بالوفاء بأداء الرسوم كاملة.

عقود إذعان

وحرصتْ بعض مؤسسات التعليم الخصوصي على كتابة البنود الجديدة التي ضمّنتْها في عقود التسجيل بخط بارز، وخوّلت لنفسها، وفق ما هو مبيّن في نماذج عقود اطلعت عليها هسبريس، حق توقيف التلميذ عن متابعة الدراسة في حال عدم الوفاء بأداء الرسوم في موعدها المحدد ما بين الفاتح والسادس من كل شهر، أو اليوم الثامن كأقصى أجل.

وخلال الموسم الدراسي الفائت، نشب خلاف مازال مستمرا بين أرباب المدارس الخاصة وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ، بسبب مطالبة الطرف الأوّل بأداء واجبات التمدرس عن شهور أبريل وماي ويونيو كاملة، رغم توقف الدراسة الحضورية وتعويضها بالدراسة عن بعد بسبب حالة الطوارئ الصحية، وهو ما يرفضه الطرف الثاني، باعتبار أن التلاميذ لم يستفيدوا من كل الخدمات المنصوص عليها في عقود التسجيل، مثل النقل المدرسي والأنشطة التربوية…

ولجأت بعض مؤسسات التعليم الخصوصية إلى “تكبيل” الأسر ببنود تنص على أداء جميع المستحقات مستقبلا، وذلك بجعل السومة المالية للتمدرس والنقل المدرسي “سومة سنوية تُقسط على عشرة أشهر”؛ إذ يكون أول أداء في شهر شتنبر وآخر أداء في شهر يونيو كحد أقصى، حسب ما تم النصيص عليه في عقد تسجيل صادر عن مدرسة خاصة.

وذهب محمد النحيلي، المنسق الوطني لاتحاد آباء وأمهات وأولياء تلاميذ التعليم الخصوصي، إلى القول إن بعض المدارس الخاصة “تجتهد خارج القانون، وتستغل جهل الآباء وتدفعهم إلى التوقيع على عقود إذعان”.

في عقود التسجيل السابقة لم تكن مثل هذه البنود موجودة. وحول مدى قانونيتها، قال أحمد الحسني، محامي بهيئة القنيطرة عضو الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، إن “العقود المُبرَمة، أيا كانت طبيعتها، تكون مُلزِمة للطرفيْن شريطة أن ينفذ كل طرف الالتزامات المنصوص عليها في العقد”.

ولتوضيح المسألة أكثر، انطلق الحسني من الخلاف القائم حاليا بين أرباب مؤسسات التعليم الخصوصية وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ حول أداء واجبات التمدرس عن فترة الحجر الصحي، مشيرا إلى أن “هناك فراغا قانونيا من هذه الناحية، فرغم أن القانون تحدث عن القوة القاهرة، واستعرض الحالات التي يمكن أن يتعسّر فيها الالتزام ببنود العقد، فإن جائحة كورونا لم تكُن متوقَّعة”.

وأضاف الحسني، في تصريح لهسبريس، أن القانون ينصّ على أنّ إلزام المستهلِك بالوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العَقد، قبلَ أن يلتزم الطرفُ الآخر المُقدِّم للخدمة بالتزاماته، “يُعتبر إجراء تعسّفيا”، وفي هذه الحالة، يردف المتحدث، هناك خياران، إمّا إلغاء البُند الذي ينص على الإلزام من العَقد إذا كان ذلك ممكنا، وإذا انتفت إمكانية إزالته فإن العَقد برمّته يصبح باطلا.

وينص الفصل 234 من قانون حماية المستهلك على أنه “لا يجوز لأحد أن يباشر الدعوى الناتجة عن الالتزام إلا إذا أثبت أنه أدى أو عرض أن يؤدي كل ما كان ملتزما به من جانبه حسب الاتفاق أو القانون والعرف”، وتنص المادة 235 من القانون نفسه على أنه “في العقود المُلزمة للطرفين، يجوزُ لكل متعاقد منهما أن يمتنع عن أداء التزامه إلى أن يؤدي المتعاقد الآخر التزامه المقابل، وذلك ما لم يكن أحدهما ملتزما، حسب الاتفاق أو العرف، بأن ينفذ نصيبه من الالتزام أولا”.

وتطرح مقتضيات الفصلين المذكورين سؤال مدى أحقية المدارس الخاصة في مطالبة أسَر التلاميذ بأداء واجبات تمدرس أبنائها خلال فترة الحجر الصحي كاملة، رغم توقف الدراسة الحضورية ومعها عدد من الخدمات التي كان يستفيد منها التلاميذ، وهو ما يرفضه الطرف الثاني ويقترح أداء 50 في المئة فقط من تلك الواجبات.

في هذا الإطار، أوضح المحامي الحسني أن قرار توقيف الدراسة اتخذته وزارة التربية الوطنية، واشترطتْ أن يستفيد التلاميذ من دروس الدعم في بداية شهر شتنبر المقبل لاستدراك ما فاتهم منذ تاريخ توقيف الدراسة منتصف شهر مارس إلى غاية متمّ الموسم الدراسي، والتلاميذ لم يستفيدوا إلى حد الآن من هذه الخدمة، إعمالا لمبدأ وفاء طرفيْ العَقد بكل التزاماتهما، كما ينص على ذلك القانون.

وزاد قائلا: “حتى لو لجأ أرباب المدارس الخاصة إلى القضاء لإجبار الآباء والأمهات على أداء واجبات تمدرس أبنائهم خلال فترة الحجر الصحي، فعليهم (أرباب المدارس الخاصة) أن يثبتوا أنهم أوْفوا بالتزاماتهم كاملة، وهذا غير واقعٍ الآن، طالما أن التلاميذ لم يستفيدوا بعد من دروس الدعم والاستدراك المقررة بدايةَ شتنبر”.

المصلحة الفضلى للتلميذ

وفيما لم يتوصّل أرباب مؤسسات التعليم الخصوصية وآباء وأمهات التلاميذ إلى تسوية بخصوص أداء واجبات التمدرس خلال أبريل وماي ويونيو، برز خلاف ثانٍ بين الطرفين مع انطلاق التسجيل برسم الموسم الدراسي المقبل، يتعلق برفض إدارات بعض المدارس الخاصة تمكين أولياء التلاميذ من شواهد المغادرة أو بعض الوثائق الخاصة بهم.

ولجأ عدد من الآباء والأمهات إلى رفع دعاوى قضائية ضد المؤسسات الماسكة لشواهد المغادرة، وصدرتْ أحكام قضائية استعجالية في الآونة الأخيرة كانت في صالح الطرف المدَّعي، معلَّلة، كما هو مبيّن في أحكام اطلعت عليها هسبريس، بقاعدة “المصلحة الفضلى للمتمدرسين وحقهم الدستوري في تيسير الولوج إلى التعليم المنصوص عليه في المادة 31 من الوثيقة الدستورية”.

واعتبر المحامي الحسني أن رفْض مؤسسات التعليم الخصوصية منْح شهادات المغادرة للتلاميذ مخالف للقانون، مضيفا: “لقد تقاطرت الأحكام القضائية الصادرة لصالح الأسر في مختلف مناطق المغرب، ونحن ننوه بالقضاء الذي أنصف التلاميذ؛ إذ ليس مقبولا، حتى لو افترضنا أن أسرة التلميذ أخلّت بالتزام ما في العقد الذي يربطها بمؤسسة التعليم الخصوصية، أن يكون ضحية، فما بالك إذا لم يكن هناك أي إخلال بالالتزام ببنود العقد”.

ويبدو أن أرباب المؤسسات التعليمية الخصوصية الرافضين تسليم شهادات المغادرة للتلاميذ إلا بعد أداء واجبات التمدرس برسم السنة الدراسية المنتهية، سيجدون أنفسهم في مأزق جديد؛ إذ شرع بعض الآباء والأمهات في رفع دعاوى “ضياع الغرض”، بسبب عم تمكن أبنائهم من التسجيل في مؤسسات ومعاهد أخرى، بحسب إفادة المحامي الحسني.

hespress.com