بعد الجيل الأول من حقوق الإنسان، المتّصل بالحقوق المدنية والسياسية، الذي حظي باهتمام الكثير من الفلاسفة والمفكرين، لاسيما من ذوي الميول الليبرالية، قبل أن تحتضنه الكثير من الإعلانات الثورية والمواثيق الدولية والدساتير الوطنية، برز الجيل الثاني من هذه الحقوق، تحت ضغط التحولات المختلفة التي شهدها العالم في خضمّ صراعات الحرب الباردة، وهي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تعزّزت بشكل ملحوظ مع تنامي الفكر الاشتراكي، لتقتحم التشريعات الوطنية، قبل تضمينها فـي الكثير من المواثيق والاتفاقيات والقوانين الدولية.

وتبلور في ما بعد الجيل الثالث من هذه الحقوق بشكل جليّ بفضل جهود الدول النامية، خاصة مع التّحولات والتطورات الكبرى التي شهدها العالم بأسره بعد نهاية الحرب الباردة، وتصاعد الاهتمام بقضايا الدّيمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والبيئة، وتزايد الفجوة بين دول الشمال والجنوب، ضمن ما تعرف بـ”حقوق التضامن”، أو “حقوق الانتساب”، في ارتباط بقضايا البيئة والتنمية وتعزيز السلم، وأحقية الولوج العالمي للتكنولوجيا الحديثة.

ومواكبة لهذا الموضوع الهام والمتشعّب، صدر أخيرا ضمن سلسلة “مواضيع الساعة” (العدد 110- لسنة 2020) للمجلة المغربية للإدارة والتنمية، مؤلف جماعي تحت عنوان: “الجيل الثالث لحقوق الإنسان.. السياق والإشكالات”، في 370 صفحة من الحجم المتوسط، ساهم فيه 27 باحثا (ة) وخبيرا(ة) من المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وروسيا ومصر وسلطنة عمان وجمهورية التشيك، ينتمون إلى حقول معرفية مختلفة، تنوّعت بين علم السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والفلسفة والقانونين الدولـي والداخلي، وعلم الاجتماع.

وتوزّعت محاور هذا الكتاب، الذي أشرف على إصداره وعلى تنسيق أوراقه كل من د.إدريس لكريني (مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، بكلية الحقوق، مراكش)، ود.الحسين شكراني (أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق، مراكش)، بين الإشكالات التي يطرحها الجيل الثالث من حقوق الإنسان من الزوايا النظرية والتاريخية والواقعية والحقوقية، والمصالح التي تسعى إلى حمايتها، والضمانات الكفيلة بذلك؛ علاوة على واقع هذه الحقوق على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية.

hespress.com