بمبررات غير واضحة وأهداف غير معلنة، تتجّه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي إلى حذف مادة “حقوق الإنسان” من مقررات نظام البكالوريوس الذي هي بصدد أجرأته لتعويض نظام الإجازة على مستوى الجامعات المغربية، وتعويضها بمادة “فن العيش المشترك”.
ويثير هذا القرار الوزاري الذي سيتم تنزيله ابتداء من الموسم الدراسي المقبل نقاشات محتدمة حول خلفياته ومبرراته، ذلك أن العديد من النشطاء والجامعيين رفضوا الإجهاز على مادة حيوية تشكل ركيزة من ركائز التعليم الجامعي لعدد من التخصصات القانونية والاجتماعية.
ويتبين من خلال الهندسة البيداغوجية المقترحة من وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، المشتركة بين جميع كليات الحقوق، أنه لا وجود لأيّ وحدة تهم حقوق الإنسان ضمن مسار القانون الذي سمي “القانون والعلوم السياسية”، سواء في السنة الأولى الأساسية (السداسي الأول والثاني) أو في السنة الثانية (السداسي الثاني والثالث).
وعن السياق التاريخي لإقرار هذه المادة في الجامعات المغربية، أبرز الباحث في العلوم السياسية إلياس الموساوي أنها أُقرّت في وقت شهد فيه المغرب انفراجا حقوقيا تمثل في بداية أجرأة ورش العدالة الانتقالية الذي صدرت عنه توصيات عدة تسعى لإقرار منظومة حقوقية متكاملة تتماشى والمواثيق الدولية.
وقال الموساوي إن “إقرار هذه المادة في الهندسة البيداغوجية من داخل الجامعة المغربية آنذاك، ساهم بشكل كبير في الرفع من منسوب الوعي لدى الأكاديميين والطلبة، ومكنهم من اكتساب معارف ومهارات ساهمت بشكل كبير في تطعيم المؤسسات والإدارات ذات الصلة بالمجال الحقوقي”.
وشدد الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، على أن إقرار هذه المادة “كان من أجل تطبيق وتنزيل أمثل للتوصيات التي حملتها هيئة الإنصاف والمصالحة للقطع مع الانتهاكات الحقوقية التي عرفها المغرب في سنوات الجمر والرصاص”.
وبخصوص الهندسة البيداغوجية الجديدة التي وضعتها الوزارة الوصية بعدما استغنت عن مادة حقوق الإنسان في مناهج البكالوريوس، أورد المحلل السياسي والناشط الحقوقي أن “هذا الأمر يحمل دلالات سلبية فيها تراجعات خطيرة عما جاءت به الوثيقة الدستورية لسنة 2011”.
وشرح الموساوي فكرته قائلا: “لا يعقل أن الدستور الذي يعتبر أسمى وثيقة قانونية في البلاد خصص بابا كاملا مكونا من واحد وعشرين فصلا للحقوق والحريات، ونجد في المقابل الجامعة المغربية التي هي حاملة لمشعل تفكيك وإعادة قراءة هذه الفصول الدستورية يغيب عنها هذا الشق المصيري المساهم في الرقي بالمنظومة الحقوقية ببلادنا”.
وأضاف أن من “شأن الحذف النهائي لهذه المادة أن يبعث إشارات سلبية عدة، منها التوقف غير المباشر عن الانخراط في كونية حقوق الإنسان التي جعلت من التعليم منطلقا رئيسيا لها، إضافة إلى إضعاف المؤسسات الحقوقية الكثيرة التي دشنها المغرب مع بداية التسعينات من القرن الماضي والتي بدورها تحتاج إلى نخب مكونة ملمة بالإشكالات القانونية حتى تؤدي الأدوار الدستورية المنوطة بها”.
وختم الباحث في العلوم السياسية تصريحه بالقول: “لا يمكن دمقرطة الحياة السياسية بدون نخب متمكنة من المبادئ الأساسية التي تؤطر الديمقراطية. إحدى أهم ضمانات اكتساب هذه المبادئ، هي تمكين الطالب المغربي من الاطلاع على خبايا وخفايا المنظومة الحقوقية الوطنية والدولية من داخل الجامعة المغربية”.