أماط مجلس المنافسة، الذي يرأسه إدريس الكراوي، اللثام عن سوق الأدوية في المغرب، وذلك ضمن تشخيص لعدد من أوجه الاختلالات التي تعرفها، قام به في الدورة السابعة التي درس خلالها وصادق بالإجماع على مشروع الرأي المتعلق بوضعية سوق الدواء بالمغرب.

وفضح المجلس الاحتكار الموجود في هذه السوق، حيث “يتحكم فيها 15 مختبرا بنسبة 70 في المائة”، موضحا أن بعض الفئات الدوائية جدّ ممركزة، مع وجود احتكارات ثنائية أو احتكارات قلة تحتل وضعية شبه هيمنة.

وسجل الرأي، وفقا لبلاغ للمجلس، أن سوق الدواء بالمغرب تتميز بمنافسة مطبوعة بسياسة دوائية وطنية مجزأة وغير منسجمة، وبتدبير تهيمن عليه الوصاية الإدارية، والتنظيمية، والتقنية، والطبية، التي لا تترك سوى مجال ضيق لتطوير آليات السوق والمنافسة النزيهة والمشروعة.

المجلس نبه إلى أن سوق الدواء مشكلة في غالبيتها من الأدوية الأصلية، مع معدل ضئيل للغاية لمكانة الأدوية الجنيسة التي لا تتجاوز نسبتها 40 في المائة، في حين إن المتوسط العالمي يناهز 60 في المائة.

وفي هذا الصدد، أكد الرأي أن هذه السوق ضيقة بمعدل استهلاك ضعيف للأدوية لا يتجاوز في المتوسط 450 درهما لكل نسمة سنويا، في حين إن هذا المعدل يبلغ 3000 درهم في أوروبا، مبرزا أن “هذا ما يترجم العجز الكبير لولوج الساكنة المغربية للدواء، عجز يتفاقم مع المستوى المرتفع لمساهمة الأسر في نفقات الصحة، التي تناهز 48 في المائة، في الوقت الذي يبلغ فيه المتوسط العالمي 25 في المائة”.

“إن ضيق السوق الداخلية للأدوية يتزايد تفاقما بفعل نظام للطلبيات العمومية بدون أهداف محددة تطرح العديد من التساؤلات المرتبطة باحترام قواعد المنافسة، والتي لا تلعب دورها الكامل كمنظم ومقنن للسوق الوطنية للدواء”، يقول مجلس المنافسة الذي نبه إلى غياب الشفافية، وكذلك سياسة عمومية حقيقية للدواء الجنيس، مبرزا أن “كل هذا مقرون بشبكة للتوزيع غير ملائمة وفي وضعية أزمة تؤدي إلى احتضار المكونات الضعيفة والهشة لهذه السوق”.

المجلس أشار ضمن رصده لاختلالات سوق الأدوية إلى العلاقات بين الأطباء والمختبرات المطبوعة في بعض الحالات بتضارب المصالح، مشددا على أن هذا الأمر يساهم بدوره في المساس بالمنافسة الحرة في هذه السوق، ويؤثر عليها سلبا كذلك وجود نظام جبائي غير ملائم يضاعف من صعوبة ولوج المواطنين للأدوية.

وأوصى مجلس المنافسة الحكومة بتوفير الشروط الكفيلة بإرساء منظومة للدواء، تعتمد على صناعة وطنية متينة للأدوية، مطالبا بنظام وطني للابتكار والتكوين ناجع في هذا المجال، في إطار نموذج اقتصادي جديد يشجع على خلق شبكات مقاولاتية وطنية قوية للدواء.

ودعا المجلس إلى إعادة النظر في الوضعية الحالية للوكالة الوطنية للتأمين عن المرض بتخويلها استقلالا حقيقيا في التدبير، مع إعادة النظر في العلاقات التي تربطها بالسلطة الوصية، انسجاما مع القانون المنظم لمدونة التغطية الصحية الأساسية، مؤكدا ضرورة إجراء إصلاحات بنيوية لإعادة تحديد طرق تنظيم سوق الدواء، وإعادة النظر العميقة في الإطار القانوني المنظم لهذه السوق.

المجلس شدد على أهمية تطوير رافعات جديدة لتحسين وضعية المنافسة بواسطة دعم شفافية نظام تدبير وتقنين القطاع، وخصوصا على مستوى منح الإذن بالعرض في السوق، منبها إلى ضرورة التدبير الشفاف للصفقات العمومية، ومنظومة تحديد الأسعار، ومراقبة جودة الأدوية، وحماية براءات الاختراع، والمراقبة المتحكم فيها للواردات.

hespress.com