الاثنين 05 أكتوبر 2020 – 00:50
شهد المغرب خلال الأسابيع الأخيرة تسجيل عدد من الاعتداءات الجنسية على الأطفال. وكان لافتا أن الغضب العارم الذي أعقب اغتصاب وقتل الطفل عدنان بطنجة لم يمنع مقترفي هذه الجرائم من الاستمرار في انتهاكاتهم؛ إذ ظهرت حالات اغتصاب أطفال جديدة في الأيام التالية.
في هذا الحوار، يتحدث المحامي رشيد بالعربي، محامي بهيئة القنيطرة، عن أسباب ظاهرة اغتصاب الأطفال، وتقييمه لتعاطي القضاء المغربي معها، وتصوّره لما ينبغي القيام به من أجل الحد منها.
هل تعكس الحالات المتواترة لاغتصاب الأطفال ارتفاعا في عددها أم إن هذه الظاهرة كانت موجودة دائما؟
هناك سببان جعلانا نعرف الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة في بلدنا. السبب الأول هو تسليط الضوء عليها من طرف وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والمجتمع المدني.
السبب الثاني هو أن منطق “ستر الفضيحة” الذي كان يلفّ هذه الظاهرة في الماضي أصبح يزول تدريجيا. الأسَر تتحرر شيئا فشيئا ولم تعد تتحرج من الحديث عن تعرض أبنائها لاعتداءات جنسية.
لقد ساهم تطوّر وعي الأسَر في تسليط الضوء على هذه الظاهرة، وبالتالي ظهر الحجم الحقيقة لانتشارها في المجتمع.
هل واكب القضاءُ هذا التطور بفعّالية؟
للأسف، تعاطِي القضاء المغربي مع ظاهرة اغتصاب القاصرين يسير بسرعتين متفاوتتيْن حسب المحاكم والمناطق. ما زلنا نعاين ونسمع أحكاما جدّ مخففة في حق متهمين ثبت ارتكابهم لهذه الأفعال، علما أن العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي هي عقوبات مشددة.
في ملفات أحيانا تكون عناصر ارتكاب الجريمة متوفرة، ومع ذلك يتم التساهل مع المتهمين بتمتيعهم بالسراح المؤقت، إما بسبب تنازل أسرة الضحية أو بدونه، في حين إن هذه الأفعال لا يستحق مرتكبوها، في حال ثبت ارتكابهم لها، أن يُتابعوا في حالة سراح.
هذا لا يعني أن كل القضاة يتساهلون مع مرتكبي هذه الأفعال، فهناك قضاة يتشددون في العقوبة.
وعموما، فإن ما ينبغي الانتباه إليه هو ألا نحصُر جرائم تداعيات الاعتداءات الجنسية بين الفاعل والضحية، بل ينبغي توسيع زاوية معالجتنا نحو عواقب التساهل في مثل هذه القضايا على المجتمع ككل، ذلك أن تمتيع متّهم ثبت ارتكابه لاعتداء جنسي ضد قاصر سيعتبره آخرون تشجيعا لهم على الاستمرار في ارتكاب مزيد من الانتهاكات والاعتداءات الجنسية، لذلك لا بد من الحزم والصرامة في التعاطي مع هذه الظاهرة، سواء على مستوى المحاكمة أو العقوبات.
لا يُعقل أن يمتّع القضاء شخصا عبث بجسد طفل بظروف التخفيف، خاصة إذا كان مرتكب الفعل إنسانا سويا، لأننا إزاء أفعال شاذة خارجة عن السلوك الإنساني السوي.
هل العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي كافية لردْع فاعلي هذه الأفعال الشاذة؟
القانون الجنائي المغربي هو من أكثر القوانين الجنائية تشددا في ما يتعلق بجرائم الاعتداءات الجنسية على القاصرين.
يعني أنّ المشكل في تطبيق القانون..
محاربة ظاهرة الاستغلال الجنسي للقاصرين لا ينبغي أن تتم فقط عبر العقاب، بل ينبغي أن تتم وفق رؤية أشمل. دائما نسلط الضوء على العقوبة لكننا نغفل البحث في سيرة الجاني، والبيئة التي نشأ فيها. ثمّة ظروف وعوامل عديدة تساهم في إنتاج هذا السلوك.
كثير من ضحايا الاعتداءات الجنسية يتحولون مع السنوات إلى معتدين، مثل نموذج “سفاح تارودانت”.
هل تتحمل الأسَر بدورها نصيبا من المسؤولية؟
نعم. الاعتداءات الجنسية ناجمة أيضا عن عدم الاهتمام اللازم من طرف الأسر بأبنائها، وعدم تحصينهم بثقافة مجتمعية فيها ما هو تربوي وما هو جنسي، لتهييئ الطفل للتعامل مع الغير، ما يجعلهم عُرضة لهذا النوع من الوحوش البشرية.
ينبغي أن تعلّم الأسر لأبنائها عدم الثقة التامة في شخص غريب مهما كان، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التربية الجنسية في مجتمعنا ضعيفة جدا، بسبب أن كثيرا من الآباء والأمهات يتعاملون مع كل ما هو جنسي على أنه إخلال بالحياء العام.
يجب أن نغيّر هذه النظرة من أجل حماية أطفالنا، لأن التربية الجنسية تجعل الطفل حذرا مع مقدمات الاعتداء الجنسي، مثل لمسه أن محاولة استدراجه عن طريق إغرائه بهدية أو شيء من هذا القبيل، وتكوِّن لديه ردّ فعل سريع قبل التعرض للاعتداء الجنسي.
لماذا لم تُفلح العقوبات في الحد من الاعتداءات الجنسية على القاصرين؟
السجن تحوّل إلى مؤسسة عقابية وليس إلى مؤسسة للإصلاح. أغلبية السجناء يدخلون إلى المؤسسات السجنية ولا تتم مواكبتهم وتوعيتهم من أجل تحسين سلوكهم، وهكذا يدخل الإنسان إلى السجن بسبب ارتكاب فعل ما ويخرج منه أكثر إجراما، ويؤكد هذا نسبة العوَد المرتفعة، التي سببها ضعف إعادة التأهيل داخل المؤسسات السجنية.
إذا حُكم على شخص ارتكب اعتداء جنسيا على قاصر بخمس سنوات، واستفاد خلال هذه المدة من تأهيل نفسي داخل السجن، وتمّ إفهامه بأن الفعل الذي اقترفه سلوك شاذ، وأنّ عليه أن يقلع عنه، فإنّه قد لا يعود إلى اقتراف السلوك نفسه بعد انقضاء محكوميته.
إذن، لا بد أن تكون المقاربة القانونية مواكَبة بمقاربة سيكولوجية وسوسيولوجية..
ليس فقط بالنسبة لمرتكب الفعل، بل ينبغي مواكبة الضحية أيضا من هذه الناحية. حين يتعرض القاصر للاغتصاب ويُستمع إليه من طرف القاضي، يجد نفسه مجبرا على سرد تفاصيل ما وقع له أربع أو خمس مرات خلال جلسات المحاكمة، وهذا يؤثر كثيرا على نفسيته.
القاصر يجد نفسه وسط دوامة ترديد أسطوانة يكرهها، وإذا لم يستفد من دعم نفسي لتجاوز الآثار السلبية لما تعرض له، فإنه عندما يشتد عضده سيبحث بدوره عن أقرب ضحية يمارس عليها الفعل الجرمي نفسه الذي كان هو ضحية له، لتفريغ تلك التراكمات التي تراكمت في دواخله ولم يجد من يساعده على صرْفها.
هل معنى هذا أن كل قاصر ضحية اعتداء جنسي مرشح لارتكاب فعل مماثل عندما يكبر؟
لا توجد إحصائيات رسمية لكي نجيب عن هذا السؤال بشكل دقيق، ولكن هناك متهمون بارتكاب اعتداءات جنسية كانوا هم أيضا ضحايا لمثل هذه الاعتداءات.
ماذا عن مصير الأطفال بعد تعرضهم للاعتداءات الجنسية؟ هل يتم دعمهم نفسيا؟
هذا واحد من أبرز الفراغات الموجودة في منظومة حماية الطفولة ككل. الضحية يتم الاستماع إليه أربع أو خمس مرات خلال المحاكمة، وبمجرد انتهاء الحكم يعود إلى بيته.
جميع مؤسسات الدولة معنية بتوفير الدعم النفسي للقاصرين ضحايا الاغتصاب، خاصة وأن أغلبهم يتحدرون من أسر تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية الهشة.
الدعم النفسي للقاصرين ضحايا الاغتصاب شبه منعدم، وإذا كانت هناك مبادرة فهي غالبا ما تكون مبادرات شخصية من الأسر إذا كان لها من الوعي اللازم والثقافة التي تجعلها تسلك هذا المسار، أو مبادرات جمعيات المجتمع المدني.
هل الدعم النفسي للقاصرين ضحايا الاغتصاب من مسؤوليات الدولة؟
بالتأكيد هذه مسؤولية للدولة، لأن المغرب صادق منذ 1993 على اتفاقية حقوق الطفل، وعلى البروتوكولات الملحقة بها، وكلها تصبّ في ضرورة توفير حماية أو علاج الأطفال ضحايا جميع أنواع الاعتداءات، بما فيها الاعتداءات الجنسية.
إلى حد الآن، أقول إن المغرب لم يوفِ بما التزم به بمقتضى هذه الاتفاقيات، وعلى الدولة أن تتدارك هذا الأمر لأن حجم الاعتداءات الجنسية على القاصرين كثُرت بشكر غريب، ولا يمكن أن تنفض الدولة يدها وتترك هؤلاء الأطفال يواجهون مصيرهم.