يستمرّ مطلب الصيادلة بمنحهم الحقّ القانوني في تغيير الأدوية التي يصفها الأطبّاء لمرضاهم إذا لم تكن في المخزون في خلق جدل بين مجموعة من الأطباء والصيادلة، خاصّة بعدما وجد هذا المطلب صداه في البرلمان عبر فريق حزب الاستقلال.

وقال محمد لحبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، إنّ “حقّ استبدال الدواء كان دائما مطلبا للصيادلة، وكان دائما نقطة مهمّة في ملفّهم المطلبي”، وهو ما سبق أن راسلت بشأنه الكونفدرالية خالد آيت الطالب، وزير الصحة، في ظلّ جائحة كورونا، بعدما ظهرت اختلالات في تسويق الأدوية في السوق الوطني، وانقطاع للعديد من الأدوية.

وأضاف لحبابي أنّ مقصد المراسلة كان “منح الصيادلة حقّ استبدال الدّواء لحلحلة مشكل المواطن لكي لا يبقى تائها، ولا ينقطع عن تناول أدويته”، وهو ما أعقبه مقترح تعديل لفريق حزب الاستقلال للفصل 29 من القانون 17.04، الذي يعتبر بمثابة مدوّنة الأدوية والصيدلة، موردا أن “هذا ما خلق هذه المشاكل بين الصيادلة والأطبّاء، ونتساءل لماذا يتشبّثون بالأسماء التجارية، اللهم إذا كان لأمر في نفس يعقوب”.

وتابع المتحدّث قائلا: “عندما تأتينا وصفة بها اسم تجاري انقطع من السوق الوطني، يكون لدينا في الصيدلية جنيسه بنفس درجته ومادته الفعالة وشكله. وبما أنه ليس للصيدلي حقّ استبدال الاسم التجاري الموصوف، يتجوَّل المواطِن باحثا عنه، وعندما لا يجده لا يتناوله، مما يشكّل خطرا على صحّته”.

وزاد مسجّلا أنّ “الصيادلة يطلبون هذا الحقّ علما أنّهم يخسرون ماديا بذلك التغيير؛ لأنّه كلما قلت قيمة الدواء ينقص هامش الربح، والدواء الجنيس يكون ثمنه دائما أرخص من الدواء الأصلي”.

في المقابل، يرى شراف لحنش، المنسق الوطني للتنسيقية النقابية للأطباء العاملين بالقطاع الخاصّ، في هذا التصريح لرئيس كونفدرالية صيادلة المغرب، “مجموعة من المغالطات”، يوضّحها في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا: “لا نرفض المسألة من حيث المبدأ، ولكن لا توجد ضمانات، فمن يضمن أن الصيادلة سيكونون في صيدلياتهم على طول؟ إضافة إلى أن تغييرات تحدُثُ الآن بشكل عشوائي، فكيف إذا صار الأمر قانونيا؟”.

ونفى منسق تنسيقية أطباء القطاع الخاص “وجود علاقة ملتبسة بين الأطباء والمختبرات”، موضّحا أنّ “علاقتنا بهم فقط في التكوين الطبي المستمر كما في العالَم أجمع”، مضيفا: “إذا كنا نبحث عن مصلحة المريض، فعلى هامش الربح أن يكون معقولا، علما أنّ الطبيب لا ربح له من الدواء، فيختار الأكثر فعالية والأقلّ كلفة في الوقت نفسه”.

وردّا على الحديث عن تغيير الوصفات حسَب المخزون، قال المتحدّث: “إذا لم يرتح المريض فقط للون الدواء فلن يكون فعّالا، وإذا تغيرت رائحة الدواء فقط قد يرميه جانبا؛ فالعامل النفسي لوحده يشكّل ستين في المائة من الدواء”.

كما تساءل في السياق ذاته: “هل ستصير الصيدلة هي كلّ شيء؟ وكان الله في العون، ولكن التغيير لا يجب أن يتمّ فقط لمشكل في السوق، مع الإضرار بعلاقة مقدّسة بين الطبيب الذي يكتب الوصفة وهو يفكّر في فعاليتها، وفي جيب المريض”.

وأجمل المنسق الوطني للتنسيقية النقابية للأطباء العاملين بالقطاع الخاصّ قائلا إنّ “استبدال الأدوية يجب أن يتمّ بناء على علاقة رابح رابح، لا أن يمرّر كلٌّ القانون الذي يريده ويكيل الاتهامات للأطباء الذين لا ربح لهم من ذلك، ويتخوّفون نظرا لتحمّلهم مسؤولية أن يغيَّر الدواء وتلي ذلك مضاعفات، علما أنّ هناك مشاكل موجودة اليوم، من قبيل: مشكل قراءة الوصفات، والأدوية التي لا تُعرَف، وهل ستغيّر الأدوية دون وجه حقّ؟”.

تجدر الإشارة إلى أنّ التنسيقية النقابية للأطباء العاملين بالقطاع الخاص لم تتلقّ بقَبول حسَن تقديم الفريق الاستقلالي مقترح قانون يعدّل منطوق مادة من مدونة الأدوية والصيدلة ليسمح للصيادلة باستبدال الأدوية الموصوفة من طرف الطبيب المعالج بدواء آخر في حالة عدم توفر الدواء الموصوف بالصيدلية أو لدى الموزعين.

وسبق أن تقدّم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب بمقترح قانون يضمن توفير المنتوج الدوائي الذي يكون في متناول جميع المواطنين أينما كانوا، وفي جميع الظروف، العادية منها والاستثنائية، وتحدّث عن “ضرورة إعادة النظر في القانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، بما يمكن الصيادلة من استبدال دواء أو منتوج صيدلي غير دوائي بآخر يحتوي على نفس المكونات، وبنفس الجرعات، في حالة عدم توفر الدواء المسجل في الوصفة الطبية بالصيدليات”.

وتقدم بهذا المقترح نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، وباقي أعضاء الفريق. وورد في مذكرته التّقديمية، وفق الموقع الرسمي لحزب الاستقلال، أن “الأدوية تعتبر منتوجا أساسيا في المنظومة الصحية، ولا يمكن أن تقوم هذه المنظومة الصحية بالوظائف المنوطة بها على مستوى الوقاية والتطبيب والعلاج إلا بتوفر هذا المنتوج، وأن يكون في متناول المواطنين في أي وقت، وأينما كانوا، وفي جميع الظروف، العادية منها والاستثنائية”.

وذكر الفريق أنّ الممارسة أبانت عن مجموعة من “الصعوبات والإكراهات المطروحة أمام المرضى، عندما لا يستطيعون الحصول من الصيدليات على الأدوية التي يصفها لهم الطبيب المختص، دون أن يكون لدى الصيدلي الحق في تغيير الوصفة الدوائية رغم الوضعية الاستعجالية التي قد يتطلبها الوضع الصحي للمريض، بسبب مقتضيات بعض النصوص القانونية الجاري بها العمل في هذا المجال”.

وربط الفريق الاستقلالي هذا المقترح “بشكل وثيق بالأمن الصحي للمواطنين وسلامتهم، في ظل التكامل التام بين الأطباء والصيادلة في هذا المجال، مع العلم بأن المنظومة الصيدلية دعامة أساسية لنظيرتها الطبية وتعتبر شريكها الأساسي في المجال الصحي بكل مكوناته، خاصة وأن المنظومة الصيدلية تغطي جميع التراب الوطني، وقريبة من المواطنين”.

وسبق أن علَّقَت التنسيقية النقابية للأطباء العاملين بالقطاع الخاص على هذا المقترح قائلة إنّها تلقّت بـ”بالغ القلق” خبر إقدام الفريق النيابي لحزب الاستقلال على تقديم مقترح قانون لتغيير منطوق المادة 29 من القانون 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة.

وأضافت أنّه “بصرف النظر على أن توقيت هذا المقترح يتضارب ومتطلبات المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن (…) نأخذ علما بما أقدم عليه الفريق النيابي لأحد الأحزاب التي كنا نتوسم فيها الخير لدعم المبادرات الجادة، الهادفة للنهوض بالمنظومة الصحية الوطنية في زمن ما بعد وباء كوفيد-19”.

وتابعت التنسيقية النّقابيّة بأنّ “تجاهل حزب الاستقلال، عبر فريقه النيابي، جميعَ نقائص المنظومة الصحية الوطنية التي عرتها أزمة الجائحة، وإصراره على السباحة عكس التيار بتقديم مقترح قانون سيضرب المسمار الأخير في نعش الممارسة الطبية، يدل على قصر نظره، وعدم إلمامه بخبايا السوق الدوائية الوطنية”، معتبرة أنه بـ”إصراره على تغطية شمس الاختلالات الهيكلية التي يعرفها القطاع الصيدلاني الوطني بغربال السماح باستبدال الوصفات الطبية، كمن يترك الداء يستفحل محاولا معالجة الأعراض”.

وذكرت التنسيقية أن “الإغراق الممنهج للسوق الدوائي بعشرات الأدوية المتطابقة، والسماح بتسويق نفس المادة الصيدلانية تحت مسميات تجارية عديدة، دون أي فارق في السعر، ودون أي قيمة مضافة للمريض المغربي، هو السبب الرئيسي في عدم توفر جميع الأدوية برفوف الصيدليات”.

كما اعتبرت أنّ “تسجيل انقطاع عدد من الأدوية مؤخرا بالسوق الوطنية لن يتم تجاوزه بالسماح للصيادلة باستبدال الأدوية، بما أن النقص المسجل هو نقص مركزي ناتج عن اختيارات استراتيجية لكبريات شركات صناعة الدواء”، علما أنّ “أغلبية الأدوية المفقودة حاليا لا بديل لها، ولن تحل هاته الإشكالية بالسماح للبعض بالاستبدال”، محذّرة من اندراج هذا “في سياق السعي الحثيث للبعض بغية توسيع هوامش الربح على حساب الصحة العامة”.

وخطّأت التنسيقية النقابية للأطباء العاملين بالقطاع الخاص “المنهجية التي اختارها الفريق النيابي الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بما أن الاختلالات العميقة المسجلة ببعض صيدليات المملكة، وعلى رأسها معضلة غياب الصيدلي وتركه الأمور تحت إدارة مساعديه، ستأتي في حال تبني مقترح القانون بعكس النتائج المأمولة، وستشكّل ضربا صارخا لمبدأ المنافسة المنصوص عليها دستوريا، خاصة في ظل تفشي بعض الممارسات غير القانونية التي يلجأ إليها البعض للرفع من هوامش الربح، والتي يقوم بمقتضاها المصنعون بالبيع المباشر لبعض الصيدليات وفق تخفيضات كبيرة”.

وخلصت التنسيقية إلى أن ذلك “سيجعل المريض المغربي زبونا للمختبر الصيدلاني الذي يمارس أكبر نسبة تخفيض، مع ما يعنيه ذلك من تبضيع للصحة، وتبخيس للحق الدستوري في العلاج”.

hespress.com