أن يصاب المرء بالفيروس اللعين، الذي شغل الناس وقض مضاجعهم خلال السنة التي ودعناها، فهذا أكبر مصائب الزمن، وإن كان المصاب به مريضا بالسكري، فإن المخاطر تزداد والخوف يشتد، خصوصا في ظل التقارير التي تربط بين الأمراض المزمنة وفتك “كورونا”.

اسمي محمد بلقاسم، صحافي بجريدة هسبريس الإلكترونية، وأبلغ من العمر 33 سنة، مصاب بالسكري منذ سبع سنوات، وقدر الله أن أصاب بـ”كورونا” بعد أيام من ذكراه السيئة الأولى بعدما اكتُشف بمدينة ووهان الصينية نهاية سنة 2019، وهذه تجربتي مع الفيروس.

لم أصدق، أنا الذي كنت أكتب عن الفيروس وتأثيراته اليومية، أن أكون أحد حامليه. إذ بمجرد علمي بالخبر، الذي كاد يصعقني في البداية، شرعت في إعادة قراءة ما كتب عن الفيروس وأعراضه وكأني أسمع به لأول مرة.

أن تكون من حاملي الفيروس، خصوصا في بدايته، هو تجربة نفسية قاسية، ففي كل ساعة تنتظر تدهور حالتك الصحية. ليس هذا فحسب، بل تزداد المتاعب النفسية، خصوصا أني مريض بالسكري، فبين المراقبة اللحظية لمستوى السكر في الدم مخافة ارتفاعه المفاجئ، وبين حجم القصص المؤلمة التي يعج بها فضاء عملنا في الصحافة الالكترونية، كنت أتوقع الأسوأ في كل لحظة.

إن جميع الأعراض التي يمكن أن تعتري الجسم بشكل تلقائي، خصوصا مع فترة البرد، تعتبر بالنسبة لي من أعراض الفيروس، التي قدر الله أن أخوض تجربته بعيدا عن أسرتي في مدينة الداخلة، وأنا في مهمة عمل نحو منطقة الكركرات.

وإن كان أمر البعد العائلي قد أعفاني من همّ الأذى الذي يمكن أن أحمله للأسرة، لكن في المقابل طُرحت علي إشكالية الأعراض المفاجئة وأنا وحيد في مدينة لا أكاد أعرف فيها أحدًا إلا ما جادت به العلاقات المهنية.

دخلت مدينة الداخلة يوم الخميس، العاشر من دجنبر من السنة الماضية، رفقت فريق برلماني، وكان البرنامج يتضمن زيارة منطقة الكركرات الحدودية مع موريتانيا ضمن زيارات الدعم التي قام بها الفاعلون السياسيون لخطوة الجيش بعد تحريره المعبر من عناصر جبهة البوليساريو الانفصالية، وبعد ذلك عقد سلسلة لقاءات حزبية.

إن واحدة من ميزات ما قامت به السلطات في مطار الداخلة هو إجبارية الفحص قبل دخول المدينة، وهو ما جعلني أكتشف حملي الفيروس، رغم غياب أعراضه التي قد تدفع الواحد إلى إجراء الاختبار.

مثل هذه الخطوة يمكن أن تقلل عدد الإصابات لو تم تعميمها رغم كلفتها الباهظة، لكن التأخر في تقديم نتائج الاختبارات يمكن أن تكون له نتائج عكسية لأن عدد الذين يمكن ملاقاتهم والاختلاط بهم بين لحظة الفحص وإعلان النتيجة كبير.

وإن كنت أرى، من خلال تجربتي، أن فعالية هذا الإجراء ليست كبيرة بالنظر إلى التأخر في إعلان نتائج الفحص، لكون الفرق بين أخذ العينة وإعلان النتيجة التي كانت إيجابية وصل إلى 48 ساعة، حيث تم إخباري بإيجابية الفحص مساء السبت، بينما وصلت المدينة مساء الخميس، مع ما رافق ذلك من لقاءات خلال هذه الفترة.

ورغم الحرص الكبير الذي أبديه عادة لكوني مصاب بالسكري، تطبيقا لتعليمات الأطباء وغيرهم ممن ألتقيهم منذ بداية انتشار الفيروس، في عدم السلام والالتزام الصارم بإجراءات الصحة والسلامة من تعقيم ووضع الكمامة، وهو ما كان يمكن أن يساهم في انتشار الوباء، فقد حملت هما كبيرا بخصوص إمكانية نقل العدوى إلى من رافقتهم.

لكن الحمد لله أن الذين يفترض أني كنت على مقربة منهم ما قبل إعلان نتائج الفحص المخبري لم يصب أي منهم بالفيروس، وهو الأمر الذي حاولت ما أمكن متابعته من خلال التواصل معهم بشكل يومي فِي بعض الأحيان.

مباشرة بعد علمي بحمل الفيروس، وأنه لا يمكنني أن أعود إلى مدينة سلا حيث أقطن، بعد انتهاء مهمتي الصحافية، خصوصا أن البرنامج كان محددا في ثلاثة أيام، وجدتني مضطرا للبقاء بمدينة الداخلة أزيد من أسبوع على الأقل إلى أن تظهر نتائج الفحص السلبي.

تقاذفتني العديد من الأسئلة، من قبيل: كيف لي أن أقضي هذه المدة وحيدا؟ وماذا لو تطورت الوضعية؟ ومن سيخبر الطبيب؟ ومن سينقلني إلى المستشفى؟.

وإن لم ترافق الفيروس اللعين أعراض مثل الحرارة وأوجاع الرأس، لكن الجوانب النفسية كان لها أثر كبير علي، لذلك حاولت ما أمكن أن أعيش حياتي العادية منشغلا بعملي الصحافي اليومي، لكن مع نهاية الدوام كان ينطرح علي السؤال: هل ستتدهور حالتي؟ ولأني كنت أنام أكثر من المعهود، فقد راودتني -خصوصا في اليومين الأولين- مخاوف كثيرة جعلت النوم يغادرني منذ ساعات الصبح الأولى (الثالثة صباحا في اليوم الأول بعد معرفتي بحملي الفيروس، والخامسة صباحا في اليوم الثاني).

خفف عني وحشة العزلة الصحية ما يحمله حاسوبي من كتب وروايات، فقد قرأت منها ما كنت أؤجله، لأن يومي أصبحت فيه 24 ساعة كاملة، أقضيها مع نفسي بين النوم والعمل، وما تبقى في انتظار نهاية اليوم يكون لهاته الكتب.

مرت فترة الحجر الصحي والعزل، وعدت إلى حياتي الطبيعية، لكن التأثيرات النفسية التي رافقت الفيروس كانت كبيرة، خصوصا مع كم الموت المرتبط بالفيروس الذي تفوح به كل منصات التواصل والمواقع الوطنية والدولية.

يحتاج المرء المصاب فعلا إلى مواكبة نفسية وقدرة على التعامل مع الفيروس كمرض مثل جميع الأمراض، مع الالتزام طبعا ببرتوكول العلاج، وتصفية الذهن ما أمكن، بعيدا عن أخبار “كورونا” التي لا تزيد سوى في التأزيم النفسي.

hespress.com