قال محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن “مؤسسات العدالة الرسمية تقدم أول جواب على ملاحظات اللجنة الخاصة بنموذج التنمية الجديد التي اعتبرت فيها عدم التوزيع الواضح لأدوار الفاعلين المؤسساتيين، والغموض الذي تتسم به العلاقات بينها من أسباب ضعف النظام القضائي”، موضحا أن “جهود مؤسسات السلطة القضائية والوزارة ستستمر لملأ الفراغات وتوفير أدوات التعاون والتنسيق، التي يتعين أن تشمل جميع مكونات العدالة، ولا سيما المهن القضائية التي هي جزء أساسي وحاسم في منظومة العدالة”.
وبعدما أكد ضرورة تآزر الجهود وتوحيدها لأجل السير السليم للمحاكم التي وإن كانت تؤدي خدمات قضائية صرفة، فإنها محتاجة إلى إدارة قضائية وموارد بشرية ومادية للوفاء بمهامها، وتطبيق برامجها، شدد عبد النباوي، في كلمة له خلال اجتماع المسؤولين القضائيين عن محاكم الاستئناف، اليوم بالرباط، على أن “المسؤول القضائي قيمة قضائية عظمى تتقاطع فيها قيم العدالة الفضلى، وكفاءات التدبير الإداري المثلى”.
وأوضح الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن “المجلس الذي يسعى إلى تقوية دور المسؤول القضائي باعتباره المؤطر المهني ومستشار الأخلاقيات والمسؤول عن حسن أداء المحاكم والقيِّم على إدارتها، يسعى كذلك إلى ضبطٍ أكثر لاختياراته للمسؤولين القضائيين، عن طريق تأطيرها بالمعايير القانونية والواقعية وإسنادها لمن يستحقها على أساس وضع الإطار المناسب في المكان المناسب”.
من جانبه، قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، إن “المسؤول القضائي اليوم مطالب بأن يستشرف المشاكل والإشكالات، ويستبقها بحلول ناجعة تحقق انسجام وتكامل أداء مكونات المحكمة مع تحديث آليات ومساطر التصريف اليومي لحاجيات المواطنين من العدالة”، موضحا أن “المسؤولية جسيمة، ولا يمكن تحملها بنجاح إلا من خلال التمسك بروح القانون والعدل وامتلاك مهارات الاستماع وسعة الصدر”.
وأضاف الوكيل العام للملك أن “المسؤول القضائي لم يعد هو ذلك المسؤول الذي يقبع في مكتبه ويقفل عليه الأبواب، بل أصبح مطالبا بالانفتاح على محيطه الداخلي والخارجي، والانصات وحل المشاكل، والاجتهاد في إيجاد الحلول المبتكرة وإنتاج الأفكار الخلاقة”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “المسؤول القضائي مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى للانخراط بكل فعالية وجدية من أجل الرفع من جودة العدالة إلى جانب باقي المتدخلين بغية تحقيق النجاعة القضائية”.
وخاطب مولاي الحسن الداكي المسؤولين عن محاكم الاستئناف، قائلا إن “مهامكم تقتضي منكم إجادة تدبير الأزمات وتلافي مسبباتها، وتقوية الثقة في نظام العدالة في زمن تطغى فيه ثقافة التشكيك في أحكام وقرارات المحاكم، وفقدان الثقة، وهو ما يستوجب منكم استيعاب دقة المرحلة التي يجري فيها تنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة باستقلال السلطة القضائية والإيمان بأهمية دوركم فيها”، مضيفا أنه “ينبغي استحضار دقة المرحلة التي تمر بها البلاد، والتي تتميز بتحديات كبرى وأوراش إصلاحية مهمة، في مقدمتها تنزيل النموذج التنموي الجديد”.
أما محمد بنعبد القادر، وزير العدل، فقد قال في كلمته بالمناسبة إن “التحدي الذي نرفعه خلال المرحلة المقبلة في وزارة العدل، ويُشارِكنا فيه من دون شك كل من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة، هو إرساء دعائم إدارة قضائية قوية وحديثة هدفها خدمة المواطن والارتقاء بخدمات مرفق العدالة، وتعتمد الوسائل التكنولوجية الحديثة في التدبير والتسيير، وتلتزم بقواعد النزاهة والشفافية والحكامة الجيدة، وتحترم القانون”.
وأضاف وزير العدل أنه “إذا كنا قد نجحنا خلال الأربع سنوات الأخيرة في تنزيل الاستقلال المؤسساتي الكامل للسلطة القضائية طبقا لما هو منصوص عليه في الباب السابع من الدستور، وشرعنا في إرساء دعائم نموذج مغربي أصيل للتعاون والتوازن بين السلطتين القضائية والتنفيذية، فإن استكمال البناء المؤسساتي للسلطة القضائية الجديدة، يبقى بكل تأكيد رهينا بإقرار مجموعة من النصوص القانونية التي من شأنها تعزيز استقلالية هذه السلطة”.
وشدد محمد بنعبد القادر على أن “هذه الولاية التشريعية تقترب من إسدال الستار على نفسها خلال الأسابيع القليلة المقبلة”، قائلا في هذا الصدد: “رغم قصر المدة التي قضيتها على رأس وزارة العدل، فإنني أعتبر أن ما تحقق فيها من منجزات، لا سيما على مستوى تعزيز علاقات التعاون والشراكة مع السلطة القضائية وإرساء دعائم نموذج مغربي أصيل للتعاون والتوازن بين السلط وفق ما ينص عليه دستور المملكة، هو من المكتسبات المهمة التي سأعتز بها دائما، وتجعلني أنظر بعين الرضا والارتياح والاطمئنان لغدٍ أفضل للسلطة القضائية ببلادنا”.
يشار إلى أن الاجتماع مع المسؤولين القضائيين بمختلف محاكم المملكة يأتي في إطار عملية التواصل التي ينهجها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وخُصص لتدارس المستجدات التي عرفتها المنظومة القضائية، وتحديد الأدوار الأساسية التي يقوم بها المسؤول القضائي في مجالات العمل القضائي والإدارة القضائية، وكذلك مجال التخليق والتأطير.