ظروف خاصّة تسم عيش المسيحيين المغاربة إيمانهم بالمملكة، تحول دون احتفالهم بالمناسبات المسيحية بشكل طبيعيّ، وتتجدّد ذكراها مع نهاية السنة الجارية، في ذكرى ميلاد السيد المسيح.

ويختار عدد مِن المسيحيين المغاربة الابتعاد عن الصّدام مع محيطهم باللجوء إلى الاحتفال بأعيادهم الدينية في مساكنهم الخاصّة، علما أنّ مجموعة منهم يعيشون إيمانهم دون إعلانه في محيطهم الأسري الممتدّ، ومحيطهم الاجتماعيّ.

ويقول القسّ آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة راعي كنيسة المجد بتمارة (منزليّة)، إنّ عددا من المسيحيين المغاربة عاشوا صدامات مع محيطهم في مجموعة من المدن، بسبب الاحتفالات، وهو ما دفع الاتحاد إلى الدعوة إلى الابتعاد عن رفع صوت التّرانيم.

ويضيف القسّ في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونيّة: “أغلبية من يحتفلون في المغرب -خلال هذه الفترة- يحتفلون بالسنة الجديدة، بينما لاحتفالنا كمسيحيّين طابع ديني وروحي، ونصوم ونصلّي ونسمع العظات، وهو مناسبة لاستخلاص مجموعة من الدروس”.

ويوضّح آدم الرباطي أن احتفال المسيحيين المغاربة لا يكون مثل احتفال مسيحيّي الغرب بالأضواء والشموع والبذخ، بل تطبعه العبادة والتأمل وتقديم المساعدة ولو بالكلمات الطيبة، وتبادل التحايا حتى مع المسلمين.

ورغم جوّ الاستثناء الذي طبع السنة الجارية 2020، ويستمرّ حتى متمّها، إذ من المرتقب أن يودّعها المغاربة في ظلّ منع قانونيّ لجميع مظاهر الاحتفال بالعام الميلادي الجديد، في إطار تدابير الحدّ من تفشّي فيروس كورونا، وهو ما ينخرط فيه اتحاد المسيحيين المغاربة الذي قرّر وقف جميع التجمّعات الكنسيّة إلى أن تسيطر الدولة على الجائحة بشكل تامّ، ويعتزم أن تكون احتفالات نهاية السنة محصورة في الوسط العائليّ دون مخالطة؛ إلا أنّ احتفالات عدد من المسيحيين المغاربة تبتعد أصلا عن البذخ، وَفق آدم الرباطي.

ويزيد المتحدّث: “نحن إنجيليون، فئة مسيحيّة محافظة لا تريد البذخ في الاحتفال، ونرى من الأفضل أن يقدّم ما يُحتفَل به للآخرين، وأن تكون هذه مناسبة للتّأمّل في ولادة المسيح، ومريم وإليزابيث، واستخلاص دروس من الحالة السياسية في ذلك الوقت، وكيف انتقل السيد المسيح بالإنسانية من الظلمات إلى النور، لا أن تكون مناسبة للاجتماع والأكل، والكحول الزائد (…) حتى تكون السنة القادمة أكثر عطاء”.

وعن الصّدامات التي تمسّ معتقد المسيحيين المغاربة، يقول رئيس الاتحاد إنّ حرية المعتقد “فكرٌ يوجد عند بعض النخب المثقفة والسياسية والدينية، لكن من يقولون إنّها موجودة بالمغرب يتحدّثون بكلام عشوائي”.

ويزيد آدم الرباطي: “المجتمع مازال يحتاج تأطيرا كبيرا في حرية المعتقد، حيث توجد فئات ترى المسيحيين المغاربة كخونة (…) يحصلون على تمويل خارجي؛ إضافة إلى وجود ترسانة قوية في القانون الجنائي ضد حرية المعتقد، ونخبة قوية ضدها تُقَولِب المجتمع في طابع دينيّ”.

ويؤكّد المتحدّث أنّ نقاش التعايش يجب أن يسبقه نقاش حول “ما لا يسمح بهذا التعايش”، ثم يضيف: “نعرف أنه في سنة 2011 كانت ستفعّل حرية المعتقد، مع الدستور الجديد، لكن خروج العدالة والتنمية ونخبة دينية وتهديدَها حال دون ذلك، علما أنّ الملك محمّدا السادس لم يكن ضد هذه الحرية”.

تجدر الإشارة إلى أنّ المجلس الوطني لحقوق الإنسان سبق أن ذكر في تقريره السنوي لسنة 2019 أنّ العقوبات المتعلقة بالعبادات في القانون الجنائي لا تنسجم مع مقتضيات الدستور، ولا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأوصى بـ”حذف الفقرة الثانية من الفصل 220 من القانون الجنائي”، التي يعاقب بها كلّ من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى.

وينصّ الفصل الثالث من الدستور المغربي على أنّ “الإسلام دين الدّولة، والدولة تضمن لكلّ واحد حريّة ممارسة شؤونه الدّينيّة”.

كما ينصّ الفصل الخامس والعشرون من الدستور على أنّ “حرية الفكر والرّأي والتعبير مكفولة بكلّ أشكالها”.

hespress.com