قصد تحقيق “انفراج سياسي”، وإقلاع اقتصادي واجتماعي حقيقي بمنطقة الريف، قدم أزيد من 100 معتقل سابق في ملف “حراك الريف” تصورا شامل معنونا بـ”الريف الذي نريد في المغرب الذي نريد: من أجل البناء الجماعي المشترك”.

تعرض هذه الورقة المقترحة أمام “كل مراكز القرار ببلادنا”، أفكار وتصورات واقتراحات معتقلين سابقين على خلفية حراك الريف، قصد “المساهمة، من موقع المواطنة الفاعلة، في خلق صيرورة إيجابية بمنطقتنا”، باستحضار “الملف المطلبي لحركتنا الاحتجاجية المطلبية المعروفة بحراك الريف”.

وكانت هذه الورقة ثمرة لقاءات نظمت على مدار أشهر بين معتقلين في إطار “حراك الريف”، بتنسيق من الحقوقي صلاح الوديع، بلورت فيها الأفكار التي تتضمنها الآن أحدث مسوداتها، علما أن الصيغة النهائية لم تحسم بعد.

ومن بين الأسماء الحاضرة في هذا التصور: ربيع الأبلق، محمد المجاوي، المرتضى اعمراشا، أحمد كاتروط، رشيد الخطابي، بلال المقدم، وأيمن فكري.

ويقدم معتقلو حراك الريف السابقون، هذه الأفكار والمقترحات، آملين “أن تجد الآذان الصاغية، والتفاعل الإيجابي الذي يجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”، للدفع “بجميع عمليات الاندماج التي تسمح بخلق شروط العيش الكريم المنتجة للدخل، والضامنة للكرامة، التي من شأنها التأسيس لمقومات ومرتكزات انفراج حقيقي وعدالة اجتماعية ومجالية بالمنطقة”.

وتوضيحا لـ”سوء الفهم” حول حراك الريف، بتعبير المذكرة، فإن منطلقات هذا الفعل الاحتجاجي “تأسست على التطلع إلى مستقبل أفضل، ريف الكرامة والاعتراف والحق في العيش الكريم”، فاستطاع الحراك “المزج بين المطالب المادية، الاجتماعية والاقتصادية، وبين الحاجات غير المادية، المرتبطة بالكرامة، بالهوية والثقافة والتاريخ، باعتبار أن ديناميته (…) في الواقع، تركيب لجيلين من أجيال الحركات الاجتماعية: جيل الحركات الاحتجاجية المتعلقة بالمطالب المادية ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية، وجيل الحركات الاحتجاجية الجديدة ما بعد المادية، حيث تحضر المطالب الرمزية والهوياتية.”

فكان الحراك، إذن، تركيبا “بين الجيلَين، بمنح المطالب الاجتماعية والاقتصادية وعاء ثقافيا مشتركا، حيث لم تسمح الخطوات المهمة، المنجزة في إطار صيرورة المصالحة، بتجاوز الندوب العميقة للماضي”، وهو ما ساهم في “إبراز دينامية جديدة قوامها التماهي مع فكرة الوطن كبوتقة لهويات متعددة منفتحة وتراكمية، معتبرة أن وحدة الهوية الوطنية المغربية لا كينونة لها بدون الاعتراف بتعددية الروافد والانتماءات داخلها، كما أن التعددية لا أفق لها بدون وحدة الإحساس بالوجود المشترك، والعيش المشترك، وبالانتماء لوطن رحب يتسع للجميع”.

وعلى المدى القصير، تقول المذكرة إن هناك اليوم “ضرورة وإمكانية لإرساء أجواء انفراج حقيقي”؛ يفضي في المرحلة الراهنة إلى “بناء الثقة بمداخلها الأساسية”، بالإفراج أولا عن “باقي معتقلي الحراك الشعبي بالريف”، سعيا “لتحقيق ما فيه مصلحة المجتمع، ومصلحة المنطقة، ومصلحة الوطن”.

وتدعو الورقة إلى “إلغاء المتابعات في حق نشطاء الحراك الموجودين بدول المهجر”، لأنها شكّلت “نقطة سلبية ساهمت في تكريس التشتيت في أوساط عائلاتنا، وزرع الخوف، عبر الملاحقات القضائية، ومصادرة حقهم في العودة إلى وطنهم”. كما تنادي بـ”الإعلان بشكل استعجالي عن برنامج مندمج، متكامل ومستدام وتشاركي لخلق فرص الشغل والإقلاع الاقتصادي”، و”تسوية وضعية الترقية الإدارية للمعتقَلين المفرج عنهم، والموظفين بالإدارات العمومية، خاصة في قطاعي التعليم والصحة”، مع “فتح نقاش عمومي حول تقييم البرنامج الترابي: “الحسيمة منارة المتوسط”.

وعلى المدى المتوسط، يتحدث معتقلو الحراك السابقون عن الحاجة إلى “إعادة الروح” لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي نصت على: “متابعة الاتصالات مع عائلة عبد الكريم الخطابي، قصد دراسة شروط إعادة رفاته إلى المغرب حسب رغبة العائلة والأقارب، وإنشاء مركز الأبحاث عبد الكريم الخطابي، واعتبار مقر إدارته معلمة تاريخية، وترميمه، واستعماله كمركز تاريخي للتعريف بشخصيته، وكمركز سوسيو ثقافي، مع تنظيم معرض وطني متنقل حوله”.

ويدعو المصدر ذاته إلى إعطاء مضمون ملموس لمسلسل العدالة المجالية، عن طريق الدفع بالبناء المؤسساتي للهياكل الجهوية، وتعزيز أدوار الجماعات الترابية، والسهر على انفتاحها الفعلي والجدي على الطاقات التي تشكلها النخب الجديدة، من شباب ونساء المنطقة، مع استبعاد كل من جعل من الريف ورقة للاسترزاق السياسي، والتحكم، ووسيلة للاغتناء غير المشروع، في ملف زلزال 2004 مثلا.

كما تنادي الورقة بتنظيم “مناظرة وطنية حول العدالة الاجتماعية والمجالية، بمشاركة وازنة لكل الفاعلين، ومن ضمنهم نشطاء حراك الريف، من أجل بلورة خارطة طريق استراتيجية في الموضوع، لضمان التنزيل السليم للنموذج التنموي الجديد، وحتى لا يتكرر هذا”، مع فتح تحقيق حول “مافيا العقار” بالحسيمة، لأن “من الأسباب الرئيسية في اندلاع الحراك، تفشي الفساد، في الحسيمة خصوصا (…) في أوساط معينة من المنتخَبين الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون (…) رغم أن الخطاب الملكي منذ 3 سنوات ركز على ربط المسؤولية بالمحاسبة ولم يستثن أي شخص أو حزب.”

ويقترح معتقلو “حراك الريف” المفرج عنهم برنامجا يمس مجالات الاقتصاد البحري، والفلاحة والصناعة التقليدية، والسياحة، والصناعة والخدمات، والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، قصد “خلق فرص الشغل المدمِجة لشباب المنطقة عبر التشغيل الذاتي، والتمكين الاقتصادي لنساء المنطقة، وتنويع العرض الترابي لإقليم الحسيمة، وخلق شروط حقيقية للتحفيز الاقتصادي أمام الاستثمارات الكبرى المحدِثة لفرض الشغل”.

وتقدم الورقة بتفصيل بعض المشاريع، وفئاتها المستهدفة، وسقفها المالي، ومتطلباتها، وطرق متابعة نزاهة تسييرها، وحفظ مصداقيتها. كما تفصل، في حلولها المقترحة، عددا من أوجه التمكين الاقتصادي، والتشجيع على الولوج إلى الفرص الاقتصادية، وتشجيع اندماج النساء في سوق الشغل، وتشجيع التعليم والتكوين.

وتركز المذكرة على “النهوض بالبعد الهوياتي للمنطقة” بوصفه ضامنا للتعدد الثقافي والحضاري والتاريخي للبلاد، مقترحة في هذا الإطار إحداث رواق للفنون الجميلة بالحسيمة، ومأسسة المهرجانات الثقافية، وضمان دعم حقيقي سنوي لها من المؤسسات البنكية، مع إحداث مكتبة جهوية تسهل البحث العلمي لطلبة المنطقة، على شاكلة المكتبة الوطنية.

وتنادي المذكرة ذاتها بتنويع القطب الجامعي، وجعله في خدمة الاقتصاد والمشاريع المهيكلة، مع ملاءمته بإحداث مدرسة عليا للهندسة الرقمية وعلم الروبوتات والذكاء الاصطناعي، ومدرسة وطنية للفنون والتصميم، وكلية لطب الأسنان، ومدرسة عليا للتكنولوجيا، حتى “لا تتحول النواة الجامعية إلى مشتل لإنتاج العاطلين”.

كما تقف الورقة عند حاجة أبناء وبنات المنطقة إلى “مراكز لغوية للبعثات الثقافية”، تُحدث بربط الاتصال بالبعثات الدبلوماسية المعتمدة بالمغرب، وتقديم تسهيلات عقارية لها لإحداث معاهد بالمدينة، فرنسية وأمريكية وبريطانية وألمانية وصينية. مع إحداث مراكز جهوية لمواكبة الإقلاع الاقتصادي للمنطقة، من قبيل: المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، والوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء المائية، والمعهد الوطني للبحث الزراعي.

وفي ختام الورقة، يقول نشطاء حراك الريف المفرج عنهم إن هدف برنامجهم هذا هو “أن يكون مساهمة مواطنة، جادة، ومسؤولة، لانطلاقها من معايشتنا للظروف المادية والمعنوية التي تعرفها منطقتنا، ومن تجربتنا المدنية، وعلاقتنا بالساكنة”، معبرين عن يقينهم بأن “اعتماد هذا البرنامج سيساهم بالتأكيد في تحقيق الأهداف المتوقعة، من حيث خلق فرص الشغل، كما سيقدم أيضا إجابة منظمة، ومفكرا فيها جماعيا وتشاركيا، وسيعمل على استعادة ثقة الشباب والنساء ضمن ساكنة المنطقة، وسيسهم في النهاية في إحداث فُسَحِ الأمل المطلوبة”.

hespress.com