أبدى مصدر أمني استهجانه الشديد لمحتوى ومؤدى البيانات المنسوبة لبعض التشكيلات الحقوقية، الصادرة في أعقاب إيداع المعطي منجب رهن الاعتقال الاحتياطي بأمر من قاضي التحقيق، وهي البيانات التي اعتبرها “مشوبة بكثير من التضليل والتحامل، وتصدح بالتشجيع على الإفلات من العقاب، وترشح بدعوات لإنكار العدالة وتعطيل إعمال أحكام القانون”.

وشدد مصدر هسبريس على أن إيقاف المعطي منجب من طرف أربعة عناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، في فضاء عام ومكان عمومي، وبعد الكشف عن هوياتهم الشخصية وصفاتهم الوظيفية، وباستعمال سيارة مصلحة تحمل لوحة ترقيم خاصة بالشرطة، لا يعتبر بأي شكل من الأشكال “اختطافا أو احتجازا تعسفيا”، كما ادعت ذلك بيانات التضامن المطبوعة مبدئيا بنبرة التحامل وبالسعي لتطويق عنق الحقيقة.

وأردف المصدر ذاته أن ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قاموا بتنفيذ أوامر مشروعة صادرة عن سلطة قضائية شرعية، وهي النيابة العامة، التي قضت بتقديم المعطي منجب أمامها بعدما لم يستجب للاستدعاء القاضي بمثوله أمام السيد وكيل الملك على الساعة التاسعة من صباح يوم الثلاثاء المنصرم. وهنا تساءل المصدر الأمني: “هل الاختطاف يكون من طرف ضباط لهم الصفة الضبطية وبأمر من السلطات القضائية؟ وهل مآل المختطف (بفتح الطاء) يكون هو الإحالة الفورية والمباشرة على المحكمة؟”، قبل أن ينهي تصريحه في هذا الصدد بازدراء واستهجان مثل هذه المزاعم والادعاءات، التي قال إنها “تنهل من قاموس لا يتقاطع مع القانون ويقفز فوق الحقيقة والواقع”.

وأبدى المصدر الأمني استغرابه مما اعتبره “تضارب المفاهيم القانونية عند صنّاع محتوى البيانات التضامنية المنشورة”، متسائلا عن التقعيد القانوني الذي استند إليه أصحاب البيان للحديث عن “اعتقال” المعطي منجب، بيد أن الأمر كان في تلك المرحلة من مراحل الدعوى العمومية مجرد “تقديم أمام النيابة العامة”، لأن الاعتقال قانونا واصطلاحا، حسب المصدر نفسه، هو عقوبة ضبطية أصلية إن كانت مدته تقل عن شهر، وينطق به قضاة الحكم وليس ضباط الشرطة القضائية، ويتم تنفيذه في السجون المدنية أو في ملحقاتها وليس في أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية، بصريح المادتين 18 و29 من القانون الجنائي. كما أن الأمر بالاعتقال عندما يكون احتياطيا إنما يصدره قاضي التحقيق بموجب المادة 175 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية، وليس ضابط الشرطة القضائية، وكذلك الأمر بالنسبة للأمر بالإيداع بالسجن الذي تتخذه النيابة العامة في محاكم الدرجة الأولى والثانية بمقتضى المادتين 47 و73 من قانون المسطرة الجنائية.

من جهته، عبّر مصدر قضائي عن أسفه الشديد لاستباق بعض المنظمات والجمعيات الحقوقية لمجريات التحقيق في بعض القضايا الجنائية، المشمولة أصلا بالسرية القانونية، ونشرها لمعطيات بعيدة عن حيثيات الملف ووقائعه. وتساءل المسؤول القضائي: “كيف يمكن لجمعية حقوقية أن تجرد النيابة العامة من صلاحيات أصيلة ممنوحة لها بقوة القانون، وتدعي أن انتهاء البحث التمهيدي الذي أجرته النيابة العامة لا يتيح لها بأي شكل من الأشكال اعتقال شخص من أجل تقديمه قسرا أمام قاضي التحقيق؟”.

واستشهد المصرح بمقتضيات المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص في فقرتها الثانية على ما يلي:

“يباشر بنفسه (أي وكيل الملك) أو يأمر بمباشرة الإجراءات الضرورية للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجنائي ويصدر الأمر بضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم”. فالأمر بتقديم المعطي منجب أمام وكيل الملك بالرباط إنما هو من صلاحيات النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بموجب المادة أعلاه، ومن اختصاص الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف أيضا بمقتضى الفقرة الخامسة من المادة 49 من القانون نفسه.

ووقف المسؤول القضائي ملّيا، وباستغراب شديد، أمام تصريحات لجنة التضامن مع المعطي منجب التي زعمت فيها أن “النيابة العامة لها الحق فقط في تقديم ملتمس من أجل فتح تحقيق مع التماس الإيداع في السجن، ولا وجود لإجراء (إحالة شخص على قاضي التحقيق) في المسطرة الجنائية بتاتا”.

واستعرض المصدر ذاته، جوابا على هذه المزاعم، مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية التي يقول فيها المشرع صراحة وبأسلوب لغوي لا مزيد عن وضوحه: “يحيل (أي وكيل الملك) ما يتلقاه من محاضر وشكايات ووشايات وما يتخذه من إجراءات بشأنها، إلى هيئات التحقيق أو إلى هيئات الحكم المختصة، أو يأمر بحفظها بمقرر يمكن دائما التراجع عنه”. فالمشرع هنا يتحدث صراحة عن الإحالة على هيئات التحقيق، يشدد المصدر القضائي.

أكثر من ذلك، يضيف المصدر ذاته، فإن النيابة العامة عندما نشرت بيانا صحافيا حول قضية المعطي منجب إنما كانت تخاطب الرأي العام بقاموس واضح وأسلوب مألوف، ليتسنى تمرير المعلومة للجميع، ولم تكن وقتها بصدد تقديم ملتمسات كتابية أو الترافع أمام القضاء حتى تركن للكتابة القانونية والتدوين الاصطلاحي الحرفي.

وختم المسؤول القضائي تصريحه بأن “الحديث عن مزاعم الاعتقال القسري، لمجرد أن التقديم كان من محل لبيع المأكولات الخفيفة وليس من منزل سكنى المشتبه فيه، أو لأن التقديم كان بدون استدعاء مسبق، إنما هو حديث يفتقد للمَلَكَة القانونية، ويشغل فيه التحامل الحيز الأكبر على حساب التمييز والإدراك والمنطق القانوني السليم”.

hespress.com