خّلف قرار منع التنقل من أو إلى ثماني مدن، بشكل مفاجئ، مساء أمس، غضبا وسُخطا كبيرا ما زال التعبير عنه من طرف المواطنين المغاربة جاريا إلى الآن، سواء في أحاديثهم أو من خلال تعليقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي.

وفاجأ البلاغ المشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة، الذي حمَل خبر منع التنقل من وإلى طنجة وفاس ومكناس والدار البيضاء وبرشيد ومراكش وسطات، المغاربة، خاصة الذين كانوا قد برمجوا السفر خلال عطلة العيد إما خارج أو داخل المدن المذكورة.

وسارع آلاف المغاربة المقيمين في المدن سالفة الذكر، التي شملها قرار منع التنقل من وإليها، إلى حزم حقائبهم مباشرة بعد صدور البلاغ الوزاري المفاجئ للسفر قبل تفعيل قرار المنع؛ ما أحدث فوضى كبيرة، سواء في الطرق السيارة أو المحطات الطرقية لحافلات نقل المسافرين.

وطيلة مساء أمس وإلى حدود زوال اليوم الاثنين، لم يتوقف سيْل الانتقادات الموجهة إلى الحكومة، ووصف عدد من المواطنين الغاضبين قرارها بـ”العشوائي” و”الارتجالي”؛ فيما تساءل آخرون عن سبب عدم منع إقامة شعيرة عيد الأضحى من الأصل، طالما أن الأجواء غير مواتية لإقامتها هذه السنة.

وفيما ذهبت بعض الآراء إلى القول بعدم تحميل المسؤولية للحكومة، باعتبار أن تدبير جائحة كورونا تتولاه “الدولة”، اعتبر رشيد الأزرق، المحلل السياسي، أن دستور المملكة واضح فيما يتعلق بمسؤولية الحكومة في تدبير الشأن العام.

وينص الفصل 90 من الدستور على أن رئيس الحكومة “يمارس السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء”. ويرى لزرق أن هذا الفصل الدستوري، إضافة إلى كون رئيس الحكومة هو الذي يرأس المجلس الحكومي الذي يتداول في القضايا والنصوص المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، “يجعل منه المسؤول الأول عن القرارات التي تتخذها مختلف القطاعات الحكومية”.

وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أنه من المفروض في الحكومة أن تكون لها رؤية وتصور، باعتبار أن رئيسها هو المسؤول السياسي الأول عن قراراتها، “وهذا يجعله ملزَما بالقيادة والتنسيق بين القطاعات الحكومية التي تعمل تحت إمْرته”.

بلاغ منع التنقل من وإلى المدن المذكورة علل القرار بالارتفاع الكبير في عدد الإصابات بفيروس كورونا بمجموعة من العمالات والأقاليم خلال الأيام الأخيرة، وبكونه يندرج ضمن الإجراءات المتخذة للحد من انتشار هذا الوباء.

هذا التعليل لم يُقنع أغلب المغاربة، إذ اعتبر الذين عبروا عن رأيهم في الموضوع أن الحكومة من المفروض فيها إن يكون لديها تصوّر واضح لما بعد مرحلة الرفع الجزئي للحجر الصحي، خاصة أن رئيس الحكومة أرسل إشارات دالة على تشجيع السياحة الداخلية خلال عطلة الصيف، قبل أن يطلب من المغاربة “عدم السفر إلا للضرورة”؛ ما دفع بمنتقديه إلى وصف قرارات حكومته بالارتجالية.

من جهته، وصف لزرق قرار منع التنقل الصادر أول أمس بـ”التخبط والعشوائية”، مضيفا: “كان على رئيس الحكومة، المسؤول الأول عن هذا القرار، أن يبادر، قبل اتخاذه، إلى تجنيد كل القطاعات الحكومية المعنية بغية المواكبة، وفق خطة شاملة، ويقوم بشرح أبعادها للشعب، بالإضافة إلى شرح أبعاده قبل إلزام المواطنين بالامتثال له”.

وفيما لم تُبادر الحكومة إلى التواصل مع المواطنين بعد قرارها الذي خلف غضبا عارما في صفوفهم، فإن هذا القرار أظهر غياب التنسيق والانسجام بين القطاعات الحكومية ورئاستها، بحسب رأي رشيد لزرق، لافتا إلى أن رئيس الحكومة كان من المفروض فيه أن يتولى الحسم في هذه المسألة، لوضع حد للتضارب الذي يسم قرارات القطاعات الحكومية والذي يتوزع بين الهاجس الصحي والأمني والهاجس الاقتصادي، وبلورة خطة استباقية لكل الاحتمالات.

ونبّه المحلل السياسي المغربي إلى أن التضارب الذي يسم عمل الحكومة والقرارات المتناقضة والمباغتة التي تتخذها، نتيجة عدم وضوح الرؤية وغياب التجانس السياسي بين مكوناتها، كلها أمور من شأنها أن تهدد الاستقرار المجتمعي؛ “لأنها تتم دون توفير الظروف الملائمة، مما يعطي نتائج عكسية، ويمكن أن تخلق قلاقل يصعب السيطرة عليها مستقبلا”، على حد تعبيره.

hespress.com