راسل نائبان في “البوندستاغ” الألماني السلطات المغربية بخصوص ما اعتبراه “تنامي موجات ملاحقة ووصم الأشخاص المنتمين إلى مجتمع الميم في المغرب”.

ووجه النائبان البرلمانيان عن حزب الخضر، وهو من أحزاب الوسط اليساري، مراسلة إلى السلطات المغربية بخصوص وضعية “ضحايا الوصم على أساس الاختيارات الجنسية”، وذلك في أعقاب التسريبات التي لاحقت الأقليات الجنسية في الآونة الأخيرة، وكذا بسبب حملات الإقصاء التي يمكن أن تطالهم على خلفية قضايا جنائية يكونون فيها ضحايا لاعتداءات لفظية أو جنسية.

ويشغل هذان النائبان مهام قيادية في البرلمان الألماني، ويتعلق الأمر بالناطق الرسمي للجنة حقوق الإنسان، والمتحدث الرسمي المكلف بالسياسات “الكويرية والاجتماعية”.

دعوات إلى الإقصاء والتمييز

وتأتي مبادرة البرلمان الألماني على بعد أسابيع قليلة من اندلاع قضية “صوفيا طالوني”، الذي كان قد سرّب معطيات تعريفية ومعلومات تشخيصية حول مجتمع الأقليات الجندرية بالمغرب، ما تسبب في ردود فعل عائلية رافضة إزاء أفراد مجتمع الميم -عين، ودفع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى المبادرة بفتح بحث تمهيدي في شهر أبريل المنصرم في مواجهة المعني بالأمر، وذلك بتهم المساس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات والتحريض على العنف والكراهية والتمييز بواسطة الأنظمة المعلوماتية.

ويتزامن هذا التحرك من جانب هيئات تشريعية ألمانية مع تزايد المحتويات الرقمية التي تنطوي على دعوات إلى “الإقصاء والتمييز” في حق بعض الأشخاص من ذوي الاختيارات المثلية، والذين يكونون إما طرفا في قضايا زجرية معروضة على القضاء المغربي أو أنها قضايا تشكل موضوع سجال إعلامي في وسائط ومنصات التواصل الاجتماعي.

وأكد محمد الهيني، المحامي بهيئة تطوان، أن “إمعان بعض الحقوقيين في إقصاء وازدراء ضحايا الاعتداءات الجنسية، خصوصا من مجتمع الميم، يعطي انطباعا مغلوطا لدى الرأي العام الدولي مؤداه أن القانون المغربي لا يحمي هذه الفئات من الجرائم التي تستهدفها، بالنظر إلى اختيارات أفرادها الجنسية المختلفة، وهذه المسألة غير صحيحة ومجافية للواقع، لأن المشرع المغربي يوفر الحماية القانونية لجميع الضحايا بصرف النظر عن اختياراتهم أو ميولاتهم أو معتقداتهم”.

واستطرد الهيني: “إن تدوينات الإقصاء والوصم التي طالت المثلي الجنسي محمد آدم، من طرف محيط الصحافي سليمان الريسوني ومعارفه المحسوبين على الطيف الحقوقي، والتي بلغت حد تصوير الضحية كنكرة بدون هوية، أو طيف بهوية مستعارة، هي كلها مؤشرات سلبية تعطي انطباعا لدى العالم بأننا مجتمع لا يؤمن بالاختلاف، وبأننا نُطبّع ونتسامح مع جرائم الاعتداءات الجنسية في حق أفراد مجتمع الميم”.

وبخصوص استعمال أفراد “مجتمع الميم” لهويات مستعارة في الشبكات التواصلية، فقد سبق لغرايد ريد، وهو رئيس قسم حقوق مجتمع الميم في منظمة هيومان رايتس ووتش، أن شرح بعض خلفياتها ودوافعها بقوله: “عواقب كشف التوجه الجنسي المفترض قد تضر بسبل عيش أفراد مجتمع الميم، وسلامتهم، وصحتهم العقلية. وينبغي للسلطات المغربية أن تتدخل فورا لحماية خصوصية أفراد مجتمع الميم، وإلغاء القوانين التي تناهضهم، والتي لا يمكن إلا أن تغذي السلوك المعادي للمثلية”.

موقف منظمة “هيومان رايتس ووتش” من مخاوف “رهاب المثلية” وتداعياته على الحق في الخصوصية، جعلها تقر بما سمته “الطابع الجنائي” لقضية محمد آدم وسليمان الريسوني، وتطالب عبر نائب رئيسة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة بوجوب “ضمان المحاكمة العادلة للريسوني، مع أخذ شكاية آدم بعين الاعتبار”، وهو الموقف الوسطي والمحايد الذي يختلف كثيرا عن مواقف أخرى تبنتها جمعيات ومنظمات مغربية من أوساط حقوق الإنسان.

“حرب البيانات التضامنية”

وأرخى موضوع “رهاب المثلية” بظلاله على البيانات التضامنية التي نشرها عدد من الصحافيين المغاربة ولجنة التضامن مع سليمان الريسوني.

البيان الأول المذيل بتوقيعات بعض الصحافيين تضمن فقرة صريحة تقول “نرفض حملات التحريض والتشهير بالمصرح واستهدافه بسبب ميولاته الجنسية”، وهي مسألة كانت محفزة لبعض الصحافيين على التوقيع بعدما اعتبروا البيان يحقق التوازن المطلوب.

وبالمقابل، لم يتضمن البيان الثاني المذيل بتوقيعات أسماء سياسية وحقوقية أي فقرة مماثلة، ولا إشارة إلى مصالح وحقوق المشتكي، باستثناء التعريج عليه في إحدى الفقرات بوصفه “شخصا بهوية غير حقيقية”.

ويرى متابعون بأنه من شأن هذا التباين في المحتوى أن يحرج العديد من الوجوه السياسية والإعلامية الموقعة على البيان الثاني، الذي يمكن تفسيره بأنه “يسقط حقوق المشتكي ويزيد من تأجيج رهاب المثلية”.

وأبدى العديد من رواد الإعلام البديل مخاوفهم وتوجساتهم من أن تكون خلفيات البيان الثاني “لها امتدادات ودوافع سياسية ملتحفة برداء الدين”، وذلك بعيدا عما وصفوه بـ”التضامن المبدئي الذي تفرضه ثقافة حقوق الإنسان”.

hespress.com