أطلق منتدى الزهراء للمرأة المغربية، الخميس، حملة ترافعية ترمي إلى تقديم ملتمس تشريعي إلى البرلمان قصد تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة، وكذا المواد المرتبطة بها، من أجل رفع “الظلم” الذي يلحق النساء المغربيات جراء تعطُّل تفعيل الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية.

وتنص المادة 49 من مدونة الأسرة على أن “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها”. ويُضمّن الاتفاق، وفق ما هو منصوص عليه في المادة المذكورة، في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.

ورغم ذلك فإن نسبة المغربيات المتزوجات بعد دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، اللواتي اتفقن مع أزواجهن على تدبير الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام الزوجية ضعيفة جدا، إذ لا تتعدّى 0.5 في المائة، نظرا لجملة من العوامل، في مقدمتها العامل الثقافي، حيث تفضل النساء عدم مناقشة الجوانب المالية في علاقاتهن بأزواجهن قبل الزواج، وحتى بعد الزواج.

ويطمح منتدى الزهراء للمرأة المغربية إلى إقناع المشرّع المغربي، عبر الملتمس التشريعي الذي سيقدمه للبرلمان، بإقرار إلزامية الاتفاق على تدبير الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام الزوجية، بعدما ثبت أن جعله مسألة اختيارية لم يُفض إلى تحقيق الغاية المتوخاة من المادة 49 من مدونة الأسرة.

ورغم عدم البتّ بشكل حاسم في هذا الاختيار، إلا أن عزيزة البقالي، رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، رجّحت الدفع في هذا الاتجاه، بقولها، جوابا عن سؤال لهسبريس خلال ندوة تقديم أرضية الملتمس التشريعي: “سنُجري لقاءات تشاورية واسعة، وبناء على مخرجاتها سنحدد مطلبنا، وقد نمضي في اتجاه المطالبة بالإلزام رفْعا للحرج عن العدول”.

وأوْكل المشرّع المغربي إلى العدول القيام بمهمة إشعار طرفيْ العلاقة الزوجية عند إبرام عقد الزواج بالأحكام المتعلقة بتدبير الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام الزوجية، غير أن العدول “يواجهون صعوبة في القيام بهذه المهمة، ويتحرّجون من التطرق إلى هذه المسألة، لأن الثقافة السائدة تجعل مناسبة عقد القران غير مناسبة لبسط الموضوع”، تقول البقالي.

وإضافة إلى هذا العائق الثقافي، هناك أيضا عائق غياب معرفة المغربيات بحقوقهن المنصوص عليها في مدونة الأسرة، إذ أوضحت البقالي أن دراسة ميدانية سابقة أنجزها منتدى الزهراء للمرأة المغربية بيّنت أن هناك نسبة من النساء لسن على علم بوجود المادة المتعلقة بتدبير الأموال بين الزوجين.

واختار منتدى الزهراء لمشروعه الترافعي من أجل تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة، الذي أعدّته لجنة علمية من خبراء وباحثين، شعار: “اللي شْركناه بالفضل نتاقسموه بالعدل”. ويتمثل الهدف العام للمشروع في إدراج تعديل المادة المذكورة في الأجندة السياسية لضمان حقوق المرأة في تدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج.

وسينخرط المنتدى قبل تقديم الملتمس التشريعي إلى البرلمان، إذا ما نجح في جمع التوقيعات المطلوبة، في القيام بحملات لتحسيس المواطنات والمواطنين بأهمية تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة، والترافع أمام الفاعلين السياسيين بهدف التأثير على صاحب القرار من أجل اعتماد تعديل المادة المذكورة وما يرتبط بها من مواد.

سمية بنخلدون، رئيسة المجلس الإداري لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية، أكدت أن تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة لن يمكّن فقط من ضمان حقوق المرأة وكرامتها، “بل سيجعل الأسرة المغربية أكثر تماسكا وقادرة على تربية ناشئة سليمة قادرة على المساهمة في التنمية بشكل فعال؛ فكلما مُتّعت المرأة بحقوقها إلا وكانت أكثر عطاء”.

وأوضحت بنخلدون أن عدم إنصاف المرأة في تدبير الأموال والممتلكات المُكتسبة أثناء قيام الزوجية يُعد من الإشكالات الكبيرة التي تعاني منها الأسرة المغربية، “إذ يؤدّي حرمان المرأة من حقوقها المادية، رغم مساهمتها في تنمية ثروة الأسرة والمساهمة في إعالتها، إلى خلافات تنتهي في كثير من الأحيان إلى الطلاق”.

وترى المتحدثة أن السبيل إلى تجاوز عدم تفعيل الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة أثناء الزوجية حين إبرام عقد الزواج لدى العدول يقتضي تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة، من أجل تذليل العوائق الثقافية التي تجعل المرأة تَعتبر أن الخوض في هذه المسألة “حشومة”، مضيفة أن توثيق ما تمّ كسبه خلال فترة الزواج باسم الرجل وحده “يطرح إشكالا حقيقيا ويجعل المرأة تشعر بالغبن”.

من جهته قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة الحسن الأول سطات، إن عدم الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة أثناء الزوجية “هو ظلم بين للمرأة”، مبرزا أن التجربة بيّنت، بعد ستة عشر عاما من التطبيق، أن المادة 49 من مدونة الأسرة تكتنفها عراقيل تحول دون تطبيقها بالشكل المطلوب.

hespress.com