“الفساد يشكل مؤسسة موازية للمؤسسات الوطنية”، ذلك ما خلصت إليه مداخلات المشاركين في الندوة، التي نظمتها جمعية “سمسم مشاركة مواطنة” بشراكة مع المعهد المغربي لتحليل السياسات، مساء الجمعة، بشأن نتائج سياسات محاربة الفساد على الثقة في المؤسسات.
وبالنسبة إلى لبنى الكحلي، عضو في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، فإن الفساد يتخذ طابعا ممأسسا في الحياة العامة بالمغرب، معتبرة أنه يشكل “نظاما موازيا للنظام”، حيث يتم ربطه بالثقة في المؤسسات بصفة عامة، نظرا إلى محدودية استفادة المواطنين من الثروة الوطنية.
وأوضحت النائبة البرلمانية، في المداخلة المسائية، أن “الفساد مرده إلى تفشي ظواهر بنيوية بالمجتمع، يأتي في مقدمتها عدم لجوء المواطن إلى المؤسسات والهيئات المنتخبة لتساعده في الاستفادة من حقه الدستوري (الاستفادة من الثروة الوطنية) بسبب ضعف الثقة في المؤسسات”.
وتساءلت عن أسباب ضعف الثقة في المؤسسات المغربية قائلة: “من صَنع ظاهرة انعدام الثقة في المؤسسات؟ ولصالح من؟”، منبهة في الوقت نفسه إلى الارتفاع المتزايد للظاهرة، رغم مجهودات المؤسسات المعنية، لتبرز بأن “الأمر يتعلق ربما بالإضعاف العمدي للمؤسسات، أو عدم امتلاك تلك المؤسسات القرار الفعلي”.
من جانبه، أوضح عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن “هناك سياسة ممنهجة للإبقاء على الفساد، بل الاستمرار في إنتاج مظاهره”، مشيرا إلى أن “أخطر أنواع الفساد هو الفساد المقنع الذي لا يمكن الشعور بأنك داخله”.
وقال العلام، في هذا الصدد، إن “الفساد أصبح مؤسسة موازية للمؤسسات القائمة، حيث تتم عن طريقها إدارة السياسة وتدوير الرساميل بين جهات محددة”، مضيفا أن “كثرة اللجان والمؤسسات مظهر من مظاهر الفساد، لأنها تستهلك أطنان الورق وأموال دافعي الضرائب دون أن تُفعّل التقارير الرسمية المنشورة من قبلها”.
ويرى الأستاذ الجامعي ذاته أن الحسابات الخاصة، أو ما يسمى بالصناديق السوداء بلغة الصحافة، تتضخّم كل سنة بفعل استهلاكها ثلث ميزانية المغرب، فيما تظل غير مراقبة من طرف البرلمان، خاتما بالقول: “هناك مظاهر عديدة للفساد، فقد يصبح قانون المعلومة وسيلة لإخفاء المعلومة، وقد يتم اعتقال الصحافيين وإبادة الصحافة لقطع الإصبع التي تشير إلى الفساد بدل معالجته”.
وسيرا على نهج المتدخلين السابقين، أشار جواد الشفدي، رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، إلى أن الحكومة خصصت ميزانية لمحاربة ظواهر الفساد بالمغرب، لكن المواطن يظل يشتكي من الفساد نفسه، رغم أن الدستور تحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأردف الشفدي أن “المغرب كان بإمكانه الاستفادة من مرحلة 2011، التي أتاحت مناخا مهما لمحاربة الفساد؛ ومن ثمّ كنّا سنركب القطار الصحيح منذ سنوات كثيرة، لكن الفاعل التنفيذي تأخر في محاربته بعد إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في الأشهر الأخيرة من عمر الحكومة السابقة”.
وربط الفاعل عينه نجاح استراتيجية محاربة الفساد بتوافر الإرادة السياسية في البلد، وتجاوز “التراجعات” الحاصلة في السنوات الأخيرة، مثّمنا الأجهزة والآليات المحدثة لمكافحة تفشي الفساد داخل المؤسسات والإدارات العمومية، لكن فعاليتها تبقى مرهونة بالإرادة السياسية، وفق تعبيره.
فيما انطلق محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، من تحديد المفاهيم قبل مباشرة النقاش العام، حيث ذكر العديد من عناصر الفساد، التي تضمّ الرشوة وتضارب المصالح والاحتكار، موازاة مع أنواعه التي تتفرع إلى الفساد الأبيض والرمادي والأسود، تبعاً للأدبيات العلمية في هذا السياق.
ونفى مصباح إمكانية الحديث عن فساد مرتبط بقطاع واحد، أو فساد ذي تمظهر وحيد، لأنه يصير جزءاً من بنية الدولة وممارسة الحكم، قبل أن يستطرد قائلا: “يتعلق الأمر بظاهرة بنية لا تتم معالجتها عبر وسائل تقليدية، وإنما تحتاج إلى ثورة حقيقية من حيث الأسلوب والتعامل”.
وتابع شارحا أن “المغرب يتوفر على خطاب عام يكافح ظاهرة الفساد، لكن المؤسسات القائمة بالشكل الحالي لا تحث على ربط المسؤولية بالمحاسبة”، خاتما بأن “الفساد يعيق الاستثمار الخارجي، كما يمكن تلمّس أثره المباشر في علاقة الدولة بالمواطن، الذي يلجأ إلى ابتكار أشكال تعبيرية تذهب باتجاه عدم الثقة في المسار الرسمي”.